بدرت منهم بوادر شيطانيّة، وأهواء نفسانيّة، لكن لُطِف بهم حَتَّى رجعوا عن الزلّة، وصحّت لهم التوبة، ولم يؤاخذوا بالْحَوْبة. انتهى "المفهم" ٦/ ١٥٣ - ١٥٤.
(فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ) -بكسر المعجمة، وبالجيم-: جمع شَرْج -بفتح أوله، وسكون الراء- مثل بَحْر وبِحَار، ويجمع عَلَى شروج أيضًا، وحكى ابن دُريد شَرَج -بفتح الراء- وَقَالَ القرطبيّ: جمع شَرِجَة، والمراد بها هنا مسيل الماء إلى النخل والشجر، وإنما أضيفت إلى "الحرة" لكونها فيها، و"الحرة" موضع معروف بالمدينة، تقدّم ذكرها، وهي فِي خمسة مواضع، المشهور منها اثنتان: حَرّة واقم، وحرة ليلى. وَقَالَ الداودي: هو نهر عند الحرة بالمدينة، فأغرب، وليس بالمدينة نهر. قَالَ أبو عبيد: كَانَ بالمدينة واديان، يسيلان بماء المطر، فيتنافس النَّاس فيه، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأعلى، فالأعلى.
(كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ) هكذا فِي هذه الرواية, وفي الرواية الآتية ٢٧/ ٥٤١٨:"بها" والضمير للشراج، وإنما ذكّره فِي الرواية الأولى باعتبار الماء (كِلَاهُمَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ) للزبير -رضي الله عنه- (سَرّحِ الْمَاءَ) بتشديد الراء أمر منْ التسريح: أي أطلقه، وإنما قَالَ له ذلك؛ لأن الماء كَانَ يمر بأرض الزبير قبل أرض الأنصاريّ، فيحبسه لإكمال سقي أرضه، ثم يرسله إلى أرض جاره، فالتمس منه الأنصاريّ تعجيل ذلك، فامتنع (يَمُرُّ عَلَيْهِ) أي عَلَى زرعه، أو بستانه (فَأَبَى عَلَيْهِ) أي امتنع الزبير أن يسرّح الماء له (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ) بهمزة وصل منْ الثلاثي، وحكى ابن التين أنه بهمزة قطع منْ الرباعي، تقول: سقى، وأسقى، قَالَ الله تعالى:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}[الإنسان: ٢١]، وَقَالَ:{لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} الآية [الجنّ: ١٦]، زاد ابن جريج فِي روايته عند البخاريّ: "فأمره بالمعروف"، وهي جملة معترضة منْ كلام الراوي، وَقَدْ أوضحه ما يأتي منْ قوله: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك قد أشار عَلَى الزبير برأي فيه السعة له وللانصاري"، وضبطه الكرماني: "فأَمِرَّه" هنا بكسر الميم، وتشديد الراء، عَلَى أنه فعل أمر منْ الإمرار، وهو محتمل.
وَقَالَ الخطّابيّ: معناه أمره بالعادة المعروفة، التي جرت بينهم فِي مقدار الشرب. انتهى. ويحتمل أن يكون المراد أمره بالقصد، والأمر الوسط؛ مراعاةً للجوار، وهو ظاهر فِي أنه -صلى الله عليه وسلم- أمره أولا أن يسامح ببعض حقه، عَلَى سبيل الصلح، وبهذا ترجم الإِمام البخاريّ فِي "كتاب الصلح": "إذا أشار الإِمام بالمصلحة"، فلما لم يَرْضَ الأنصاريّ بذلك، استقصى الحكم، وحكم به.
وحكى الخطّابيّ أن فيه دليلا عَلَى جواز فسخ الحاكم حكمه، قَالَ: لأنه كَانَ له فِي