هل يرسل الأول بعد استيفائه جميع الماء، أو يرسل منه ما زاد عَلَى الكعبين، والأول أظهر، ومحله إذا لم يبق له به حاجة. والله أعلم.
وَقَدْ وقع فِي مرسل عبد الله بن أبي بكر فِي "الموطإ": أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى فِي مَسِيل مَهْزُور، ومُذَينب أن يُمسَك حَتَّى يبلغ الكعبين، ثم يُرسل الأعلى عَلَى الأسفل". و"مهزور" -بفتح أوله، وسكون الهاء، وضم الزاي، وسكون الواو، بعدها راء- و"مُذينب" -بذال معجمة، ونون، بالتصغير-: واديان معروفان بالمدينة، وله إسناد موصول فِي "غرائب مالك" للدارقطني، منْ حديث عائشة، وصححه الحاكم، وأخرجه أبو داود، وابن ماجه، والطبري، منْ حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده وإسناد كل منهما حسن، وأخرج عبد الرزاق هَذَا الْحَدِيث المرسل، بإسناد آخر موصول، ثم رَوَى عن معمر، عن الزهريّ، قَالَ: نظرنا فِي قوله: "احبس الماء حَتَّى يبلغ الجدر"، فكان ذلك إلى الكعبين. انتهى. وَقَدْ رَوَى البيهقي منْ رواية ابن المبارك، عن معمر، قَالَ: سمعت غير الزهريّ يقول: نظروا فِي قوله: "حَتَّى يرجع إلى الجدر"، فكان ذلك إلى الكعبين، وكأن معمرا سمع ذلك منْ ابن جريج، فأرسله فِي رواية عبد الرزاق، وَقَدْ بين ابن جريج أنه سمعه منْ الزهريّ. ووقع فِي زاوية عبد الرحمن بن إسحاق: "احبس الماء إلى الجدر، أو إلى الكعبين"، وهو شك منه، والصواب ما رواه ابن جريج. وذكر الشاشي منْ الشافعيّة، أن معنى قوله: "إلى الجدر": أي إلى الكعبين، وكأنه أشار إلى هَذَا التقدير، وإلا فليس الجدر مرادفا للكعب. قاله فِي "الفتح" ٥/ ٣١٣ - ٣١٤.
(فَاسْتَوْفَى) وفي رواية للبخاريّ: "فاستوعى": وهو بمعنى استوفى، منْ الوعي كأنه جمعه له فِي وعائه (رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ) أي منْ تلك الشراج (وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَبْلَ ذَلِكَ) أي قبل أن يستوفي له حقّه (أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ) -رضي الله عنه- (بِرَأْيٍ فِيهِ السَّعَةُ لَهُ وَلِلأَنْصَارِيِّ) حيث أمره أوّلاً بالمسامحة والإيثار بأن يسقي شيئًا يسيرًا، ثم يرسله إلى جاره، فلما قَالَ الأنصاريّ ما قَالَ، وجهِل موضع حقّه أمره بأن يأخذ تمام حقّه، ويستوفيه، فإنه أصلح له، وفي الزجر أبلغ، كما قَالَ:(فَلَمَّا أَحْفَظَ) بالحاء المهملة، والظاء المشالة: أي أغضبه، قَالَ فِي "القاموس": الْحِفْظة، والْحَفِيظة: الْحَمِيّة، والغضب, وأحفظه: أغضبه، فاحتفظ، أو لا يكون إلا بكلام قبيح. انتهى (رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الأنْصَارِيُّ) فاعل مؤخّر، و"رسول" مفعول مقدّم (اسْتَوْفَى) -صلى الله عليه وسلم- (لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ، فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ) منْ إضافة الصفة للموصوف: أي بالحكم الخالص الذي لا تنازل فيه، مثل ما كَانَ فِي الحالة الأولى.