وفيه أن هَذَا أيضًا بواسطة التبيين. ويحتمل أن يراد بكتاب الله الآية التي نسخت تلاوتها، وهي:"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما"، وبهذا أجاب البيضاوي، ويبقي عليه التغريب. وقيل: المراد بكتاب الله ما فيه منْ النهي عن أكل المال بالباطل؛ لأن خصمه كَانَ أخذ منه الغنم، والوليدة بغير حق، فلذلك قَالَ: الغنم والوليدة رد عليك.
والذي يترجح أن المراد بكتاب الله، ما يتعلق بجميع أفراد القصة، مما وقع به الجواب الآتي ذكره، والعلم عند الله تعالى. قاله فِي "الفتح" ١٤/ ١٠١ - ١٠٢ "كتاب الحدود" رقم ٦٨٢٧.
(وَقَالَ الآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا) وفي رواية سفيان التالية: "فقام خصمه، وكان أفقه منه"، قَالَ الحافظ العراقيّ فِي "شرح الترمذيّ": يحتمل أن يكون الراوي كَانَ عارفا بهما، قبل أن يتحاكما، فوصف الثاني بأنه أفقه منْ الأول، إما مطلقا، وإما فِي هذه القصة الخاصة، أو استدل بحسن أدبه فِي استئذانه، وترك رفع صوته، إن كَانَ الأول رفعه، وتأكيده السؤال عَلَى فقهه، وَقَدْ ورد:"أن حسن السؤال نصف العلم"، وأورده ابن السني فِي كتاب "رياضة المتعلمين" حديثا مرفوعا، بسند ضعيف.
(أَجَلْ) كنعم وزنًا ومعنى (يَا رَسُولَ اللهِ) وفي رواية سفيان: "فَقَالَ: اقض بيننا بكتاب الله"، وفي رواية الليث:"فَقَالَ: نعم، فاقض"، وفي رواية ابن أبي ذئب، وشعيب:"فَقَالَ: صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله".
(وَأْذَنْ لِي فِي أَنْ أَتَكَلَّمَ) وفي رواية: "حَتَّى أقول"، زاد فِي رواية سفيان:"قَالَ: قل"، وفي رواية محمّد بن يوسف:"فَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: قل"، وفي رواية مالك:"قَالَ: تكلّم"(قَالَ) ظاهر السياق أن القائل هو الثاني، وجزم الكرماني بأن القائل هو الأول، واستند فِي ذلك لما وقع عند البخاريّ فِي "كتاب الصلح" عن آدم، عن ابن أبي ذئب:"فَقَالَ الأعرابيّ: إن ابني" بعد قوله فِي أول الْحَدِيث: "جاء أعرابي"، وفيه:"فَقَالَ خصمه"، قَالَ الحافظ: وهذه الزيادة شاذة، والمحفوظ ما فِي سائر الطرق، كما فِي رواية سفيان فِي هَذَا الباب، وكذا وقع فِي "الشروط" عن عاصم بن عليّ، عن ابن أبي ذئب، موافقا للجماعة، ولفظه:"فَقَالَ: صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله، إن ابني الخ، فالاختلاف فيه عَلَى ابن أبي ذئب، وَقَدْ وافق آدم أبو بكر الحنفي، عند أبي نعيم فِي "المستخرج"، ووافق عاصما يزيد بن هارون عند الإسماعيلي. انتهى.
(إِنَّ ابْنِى) وفي رواية عند البخاريّ: "إن ابني هَذَا"، قَالَ فِي "الفتح": وفيه أن الابن كَانَ حاضرا، فأشار إليه، وخلا معظم الروايات عن هذه الإشارة. انتهى (كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا)