عبّاس:"أن رجلا أقر بأنه زنى بامرأة، فجلده النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مائة، ثم سأل المرأة، فقالت: كذب، فجلده حد الفرية ثمانين"، وَقَدْ سكت عليه أبو داود، وصححه الحاكم، واستنكره النسائيّ.
(ومنها): أن السائل يذكر كل ما وقع فِي القصة؛ لاحتمال أن يَفهَم المفتي، أو الحاكم منْ ذلك، ما يَستدل به عَلَى خصوص الحكم فِي المسألة؛ لقول السائل:"إن ابني كَانَ عسيفا عَلَى هَذَا"، وهو إنما جاء يسأل عن حكم الزنا، والسر فِي ذلك أنه أراد أن يقيم لابنه معذرةً مّا، وأنه لم يكن مشهورا بالعَهْر، ولم يَهجُم عَلَى المرأة مثلاً، ولا استكرهها، وإنما وقع له ذلك لطول الملازمة المقتضية لمزيد التأنيس، والإدلال، فيستفاد منه الحثّ عَلَى إبعاد الأجنبي منْ الأجنبية، مهما أمكن؛ لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد، ويتسور بها الشيطان إلى الإفساد.
(ومنها): جواز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل، والرَّدّ عَلَى منْ منع التابعي أن يفتي مع وجود الصحابيّ مثلا. (ومنها): جواز الاكتفاء فِي الحكم بالأمر الناشيء عن الظن، مع القدرة عَلَى اليقين، لكن إذا اختلفوا عَلَى المستفتي يرجع إلى ما يفيد القطع، وإن كَانَ فِي ذلك العصر الشريف منْ يفتي بالظن الذي لم ينشأ عن أصل، ويحتمل أن يكون وقع ذلك منْ المنافقين، أو مَن قَرُب عهده بالجاهلية، فأقدم عَلَى ذلك. (ومنها): أن الصحابة كانوا يفتون فِي عهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وفي بلده، وَقَدْ عقد محمّد بن سعد فِي "الطبقات" بابا لذلك، وأخرج بأسانيد فيها الواقدي، أن منهم: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليا، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-.
[تنبيه]: منْ كَانَ مشهورًا بالفتوى منْ الصحابة -رضي الله عنهم- سبعة: عمر بن الخطّاب، وابنه عبد الله بن عمر، وعليّ، وابن عبّاس، وعائشة، وابن مسعود، وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-، قَالَ ابن حزم رحمه الله تعالى: يمكن أن يُجمع منْ فتيا كلّ منهم مجلّد ضخم، وإليهم أشار الحافظ السيوطيّ رحمه الله تعالى فِي "ألفية الْحَدِيث"، حيث قَالَ:
وبعد هؤلاء منْ كَانَ قليل الفتوى منهم، وهم عشرون: أبو بكر، وعثمان، وأبو موسى الأشعريّ، ومعاذ بن جبل، وسعد بن أبي وقّاص، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمرو، وسلمان الفارسيّ، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدريّ، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وعمران بن حُصين، وأبو بكرة،