البخاريّ حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فِي قصة هند، وَقَدْ احتج بها الشافعيّ، وجماعة لجواز القضاء عَلَى الغائب. وتُعُقّب بأن أبا سفيان كَانَ حاضرا فِي البلد.
وَقَالَ فِي "الفتح" أيضًا فِي "كتاب النفقات" ١٠/ ٦٣٩ - ٦٤٠ ما حاصله: استدل به الخطّابيّ عَلَى جواز القضاء عَلَى الغائب، وقد ترجم البخاريّ فِي "كتاب الأحكام": "القضاء عَلَى الغائب"، وأورد هَذَا الْحَدِيث منْ طريق سفيان الثوري، عن هشام بلفظ:"إن أبا سفيان رجل شحيح، فأحتاج أن أخذ منْ ماله، قَالَ: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، وذكر النوويّ أن جمعا منْ العلماء منْ أصحاب الشافعيّ، ومن غيرهم استدلوا بهذا الْحَدِيث لذلك، حَتَّى قَالَ الرافعي فِي القضاء عَلَى الغائب: احتج أصحابنا عَلَى الحنفية فِي منعهم القضاء عَلَى الغائب بقصة هند، وكان ذلك قضاء منْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى زوجها، وهو غائب، قَالَ النوويّ: ولا يصح الاستدلال؛ لأن هذه القصة كانت بمكة، وكان أبو سفيان حاضرا بها، وشرط القضاء عَلَى الغائب، أن يكون غائبا عن البلد، أو مستترا لا يُقدر عليه، أو متعززا، ولم يكن هَذَا الشرط فِي أبي سفيان موجودا، فلا يكون قضاء عَلَى الغائب، بل هو إفتاء، وَقَدْ وقع فِي كلام الرافعي فِي عدة مواضع: أنه كَانَ إفتاء انتهى.
واستدل بعضهم عَلَى أنه كَانَ غائبا بقول هند: لا يعطيني، إذ لو كَانَ حاضرا لقالت: لا ينفق عليّ؛ لأن الزوج هو الذي يباشر الإنفاق، وهذا ضعيف؛ لجواز أن يكون عادته أن يعطيها جملة، ويأذن لها فِي الإنفاق مفرقا، نعم قول النوويّ: إن أبا سفيان كَانَ حاضرا بمكة حق، وَقَدْ سبقه إلى الجزم بذلك السهيلي، بل أورد أخص منْ ذلك، وهو أن أبا سفيان كَانَ جالسا معها فِي المجلس، لكن لم يسق إسناده، قَالَ الحافظ: وَقَدْ ظَفِرت به فِي "طبقات ابن سعد" أخرجه بسند رجاله رجال الصحيح، إلا أنه مرسل عن الشعبي: أن هندا لما بايعت، وجاء قوله:"ولا يسرقن"، قالت: قد كنت أصبت منْ مال أبي سفيان، فَقَالَ أبو سفيان: فما أصبت منْ مالي لْهو حلال لك". قَالَ: ويمكن تعدد القصة، وأن هَذَا وقع لما بايعت، ثم جاءت مرة أخرى، فسألت عن الحكم، وتكون فهمت منْ الأول إحلال أبي سفيان لها ما مضى، فسألت عفا يُستقبل، لكن يشكل عَلَى ذلك ما أخرجه ابن منده فِي "المعرفة" منْ طريق عبد الله بن محمد بن زاذان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قَالَ: قالت هند لأبي سفيان: إني أريد أن أبايع، قَالَ: فإن فعلت فاذهبي معك برجل منْ قومك، فذهبت إلى عثمان، فذهب معها، فدخلت منتقبة، فَقَالَ: "بايعي أن لا تشركي … " الْحَدِيث، وفيه: فلما فرغت، قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل بخيل … الْحَدِيث، قَالَ: ما تقول: يا أبا سفيان؟ قَالَ: أما يابسا فلا، وأما رطبا فأحله،، وذكر أبو نعيم فِي "المعرفة" أن عبد الله تفرد به بهذا