حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا:"العين حقّ"، وأخرج مسلم منْ حديث ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، مرفوعًا:"العين حقّ، ولو كَانَ شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغتلتم فاغسلوا"، وسنستوفي البحث عنه فِي المسألة التالية، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): عقد الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه" بابين مهمّين، لهما تعلّق بهذا الباب، أحببت إيرادهما مع خلاصة ما كتبه الحافظ رحمه الله تعالى فِي شرحه؛ تكميلًا للفائدة، ونشرًا للعائدة، قَالَ رحمه الله تعالى:"باب العين حق":
قَالَ فِي "الفتح": قوله: "باب العين حق": أي الإصابة بالعين شيء ثابت موجود، أو هو منْ جملة ما تحقق كونه، قَالَ المازري: أخذ الجمهور بظاهر الْحَدِيث، وأنكره طوائف المبتدعة؛ لغير معنى؛ لأن كل شيء ليس محالا فِي نفسه، ولا يؤدي إلى قلب حقيقة، ولا إفساد دليل، فهو منْ متجاوزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى، وهل منْ فرق بين إنكارهم هَذَا، وإنكارهم ما يخبر به منْ أمور الآخرة. انتهى.
قَالَ: وأخرج مسلم منْ حديث ابن عبّاس رفعه: "العين حق، ولو كَانَ شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا".
فأما الزيادة الأولى ففيها تأكيد وتنبيه عَلَى سرعة نفوذها، وتأثيره فِي الذات، وفيها إشارة إلى الرد عَلَى منْ زعم منْ المتصوفة، أن قوله:"العين حق" يريد به القدر: أي العين التي تجري منها الأحكام، فإن عين الشيء حقيقته، والمعنى أن الذي يصيب منْ الضرر بالعادة عند نظر الناظر، إنما هو بقدر الله السابق، لا بشيء يحدثه الناظر فِي المنظور، ووجه الرد أن الْحَدِيث ظاهر فِي المغايرة بين القدر وبين العين، وإن كنا نعتقد أن العين منْ جملة المقدور، لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب، إما بما جعل الله تعالى فيها منْ ذلك، وأودعه فيها، وإما باجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر، وإنما جرى الْحَدِيث مجرى المبالغة فِي إثبات العين، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء، إذ القدر عبارة عن سابق علم الله، وهو لا راد لأمره، أشار إلى ذلك القرطبيّ. وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة، بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق، فكيف غيرها. وَقَدْ أخرج البزار منْ حديث جابر -رضي الله عنه- بسند حسن، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ:"أكثر منْ يموت منْ أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس"، قَالَ الراوي: يعني بالعين. وَقَالَ النوويّ: فِي الْحَدِيث إثبات القدر، وصحة أمر العين، وأنها قوية الضرر.
وأما الزيادة الثانية، وهي أمر العائن بالاغتسال، عند طلب المعيون منه ذلك، ففيها