إشارة إلى أن الاغتسال لذلك، كَانَ معلوما بينهم، فأمرهم أن لا يمتنعوا منه، إذا أريد منهم، وأدنى ما فِي ذلك رفع الوهم الحاصل فِي ذلك، وظاهر الأمر الوجوب. وحكى المازري فيه خلافا، وصحح الوجوب، وَقَالَ: متى خشي الهلاك، وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به، فإنه يتعين، وَقَدْ تقرر أنه يجبر عَلَى بذل الطعام للمضطر، وهذا أولى.
ولم يبين فِي حديث ابن عبّاس صفة الاغتسال، وَقَدْ وقعت فِي حديث سهل بن حنيف عند أحمد، والنسائي فِي "الكبرى"، وصححه ابن حبّان، منْ طريق الزهريّ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أن أباه حدثه أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، خرج وساروا معه نحو ماء، حَتَّى إذا كانوا بشعب الخرار منْ الجحفة، اغتسل سهل بن حنيف، وكان أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة، فَقَالَ: ما رأيت كاليوم، ولا جلد مخبأة، فلُبِط -أي صرع وزنا ومعنى- سهل، فأُتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ:"هل تتهمون به منْ أحد؟ " قالوا: عامر بن ربيعة، فدعا عامرا، فتغيظ عليه، فَقَالَ:"علام يقتل أحدكم اْخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك، بَرّكت؟ " ثم قَالَ: "اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره فِي قدح، ثم يَصُبُّ ذلك الماء عليه رجل منْ خلفه عَلَى رأسه وظهره، ثم يكفأ القدح، ففعل به ذلك، فراح سهل مع النَّاس ليس به بأس"، لفظ أحمد منْ رواية أبي أويس، عن الزهريّ، ولفظ النسائيّ، منْ رواية ابن أبي ذئب، عن الزهريّ بهذا السند:"أنه يصب صبةً عَلَى وجهه بيده اليمني، وكذلك سائر أعضائه صبة صبة فِي القدح"، وَقَالَ فِي آخر:"ثم يكفأ القدح وراءه عَلَى الأرض". ووقع فِي رواية ابن ماجه منْ طريق ابن عيينة، عن الزهريّ، عن أبي أمامة: أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف، وهو يغتسل … فذكر الْحَدِيث، وفيه:"فليدع بالبركة"، ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه وداخلة إزاره، وأمره أن يصب عليه، قَالَ سفيان: قَالَ معمر، عن الزهريّ: وأمر أن يكفأ الإناء منْ خلفه.
قَالَ المازري: المراد بداخلة الإزار الطرف المتدلي، الذي يلي حِقْوَهُ الأيمن، قَالَ: فظن بعضهم أنه كناية عن الفرج. انتهى.
وزاد عياض: أن المراد ما يلي جسده منْ الإزار، وقيل: أراد موضع الإزار منْ الجسد. وقيل: أراد وركه؛ لأنه معقد الإزار، والحديث فِي "الموطإ"، وفيه: عن مالك، حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل، أنه سمع أباه، يقول: اغتسل سهل … فذكر نحوه، وفيه: فنزع جبة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر، فَقَالَ: ما رأيت كاليوم