بالنقل الثابت أنه قَالَ:"كل شراب أسكر، فهو حرام"، وَقَالَ:"كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام"، وَقَالَ:"ما أسكر كثيره، فقليله حرام"، قَالَ النسائيّ ٤٨/ ٥٧٠٣: وهؤلاء أهل الثبت والعدالة مشهورون، بصحة النقل، وعبد الملك لا يقوم مقام واحد منهم، ولو عاضده فِي أشكاله جماعة، وبالله التوفيق.
وأما الثالث، وإن كَانَ صحيحا، فإنه ما كَانَ يسقيه للخادم عَلَى أنه مسكر، وإنما كَانَ يسقيه لأنه متغير الرائحة، وكان -صلى الله عليه وسلم- يكره أن توجد منه الرائحة، فلذلك لم يشربه، ولذلك تَحَيَّل عليه أزواجه فِي عسل زينب، بأن قيل له: إنا نجد منك ريح مغافير -يعني ريحا منكرة- فلم يشربه بعدُ.
وأما حديث ابن عبّاس، فقد رُوي عنه خلاف ذلك منْ رواية عطاء، وطاوس، ومجاهد، أنه قَالَ:"ما أسكر كثيره فقليله حرام"، ورواه عنه قيس بن دينار، وكذلك فتياه فِي المسكر، قاله الدارقطنيّ.
والحديث الأول رواه عنه عبد الله بن شداد، وَقَدْ خالفه الجماعة، فسقط القول به، مع ما ثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
وأما ما روي عن عمر منْ قوله:"ليس يقطعه فِي بطوننا إلا النبيذ"، فإنه يريد غير المسكر، بدليل ما ذكرنا، وَقَدْ رَوَى النسائيّ ٤٨/ ٥٧٠٩ عن عتبة بن فرقد، قَالَ: كَانَ النبيذ الذي شربه عمر بن الخطاب، قد خُلّل، قَالَ النسائيّ ٤٨/ ٥٧١٠ - : ومما يدلّ عَلَى صحة هَذَا، حديث السائب، قَالَ الحارث بن مسكين، قراءة عليه، وأنا أسمع، عن ابن القاسم: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، أنه أخبره، أن عمر بن الخطاب، خرج عليهم، فَقَالَ: إني وجدت منْ فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء، وأنا سائل عما شرب، فإن كَانَ مسكرا جلدته، فجلده عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الحد تاما، وَقَدْ قَالَ فِي خطبته عَلَى منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أما بعد أيها النَّاس، فإنه نزل تحريم الخمر، وهي منْ خمسة: منْ العنب، والعسل، والتمر، والحنطة، والشعير، والخمرُ ما خامر العقل.
[فإن قيل]: فقد أحل شربه إبراهيم النخعي، وأبو جعفر الطحاوي، وكان إمام أهل زمانه، وكان سفيان الثوري يشربه. [قلنا]: ذكر النسائيّ فِي "كتابه" أن أول منْ أحل المسكر منْ الأنبذة إبراهيم النخعي، وهذه زلة منْ عالم، وَقَدْ حُذِّرنا منْ زلة العالم، ولا حجة فِي قول أحد مع السنة، وذكر النسائيّ أيضاً ٥٧/ ٥٧٥٣: عن ابن المبارك، قَالَ: ما وجدت الرخصة فِي المسكر عن أحد صحيحا، إلا عن إبراهيم، قَالَ أبو أسامة: ما رأيت رجلا أطلب للعلم منْ عبد الله بن المبارك، الشامات، ومصر،