للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأوضحها، والمفاسد التي توجد فِي الخمر توجد فِي النبيذ، ومن ذلك أن علة الإسكار فِي الخمر؛ لكون قليله يدعو إلى كثيره موجودة فِي النبيذ؛ لأن السكر مطلوب عَلَى العموم، والنبيذ عندهم عند عدم الخمر يقوم مقام الخمر؛ لأن حصول الفرح والطرب موجود فِي كل منهما، وإن كَانَ فِي النبيذ غلظ وكدرة، وفي الخمر رقة وصفاء، لكن الطبع يحتمل ذلك فِي النبيذ؛ لحصول السكر كما تحتمل المرارة فِي الخمر؛ لطلب السكر، قَالَ: وعلى الجملة فالنصوص المصرحة بتحريم كل مسكر، قل أو كثر، مغنية عن القياس. والله تعالى أعلم.

وَقَدْ قَالَ عبد الله بن المبارك: لا يصح فِي حل النبيذ الذي يسكر كثيره عن الصحابة شيء، ولا عن التابعين، إلا عن إبراهيم النخعي، قَالَ: وَقَدْ ثبت حديث عائشة: "كل شراب أسكر فهو حرام".

وأما ما أخرج ابن أبي شيبة، منْ طريق أبي وائل: "كنا ندخل عَلَى ابن مسعود، فيسقينا نبيذا شديدا"، ومن طريق علقمة: "أكلت مع ابن مسعود، فأُتينا بنبيذ شديد، نبذته سيرين، فشربوا منه".

[فالجواب عنه]: منْ ثلاثة أوجه: [أحدها]: لو حُمل عَلَى ظاهره، لم يكن معارضا للأحاديث فِي تحريم كل مسكر. [ثانيها]: أنه ثبت عن ابن مسعود تحريم المسكر قليله وكثيره، فإذا اختلف النقل عنه، كَانَ قوله الموافق لقول إِخوانه منْ الصحابة، مع موافقة الْحَدِيث المرفوع أولى. [ثالثها]: يحتمل أن يكون المراد بالشدة شدة الحلاوة، أو شدة الحموضة، فلا يكون فيه حجة أصلاً.

وأسند أبو جعفر النحاس، عن يحيى بن معين، أن حديث عائشة: "كل شراب أسكر، فهو حرام"، أصح شيء فِي الباب.

وفي هَذَا تَعَقُّب عَلَى منْ نقل عن ابن معين أنه قَالَ: لا أصل له، وَقَدْ ذكر الزيلعي فِي "تخريج أحاديث الهداية"، وهو منْ أكثرهم اطلاعا: أنه لم يثبت فِي شيء منْ كتب الْحَدِيث نقل هَذَا عن ابن معين. انتهى.

وكيف يتأتى القول بتضعيفه، مع وجود مخارجه "الصحيحة" ثم مع كثرة طرقه، حَتَّى قَالَ الإِمام أحمد: إنها جاءت عن عشرين صحابيا، فأورد كثيرا منها فِي "كتاب الأشربة" المفرد، فمنها ما تقدّم، ومنها حديث ابن عمر المتقدم ذكره أول الباب -٥٥٨٩ - وحديث عمر بلفظ: "كل مسكر حرام"، عند أبي يعلى، وفيه الإفريقي، وحديث عليّ، بلفظ: "إجتنبوا ما أسكر"، عند أحمد، وهو حسن، وحديث ابن مسعود، عند ابن ماجه، منْ طريق لين بلفظ عمر، وأخرجه أحمد منْ وجه آخر لين أيضاً، بلفظ عليّ،