للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فأما الحلال المحض: فمثل أكل الطيبات منْ الزروع والثمار، وبهيمة الأنعام، وشرب الأشربة الطيبة، ولباس ما يحتاج إليه منْ القطن والكتان، والصوف والشعر، وكالنكاح، والتسري، وغير ذلك، إذا كَانَ اكتسابه بعقد صحيح، كالبيع، أو بميراث، أو هبة، أو غنيمة.

والحرام المحض: مثل أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وشرب الخمر، ونكاح المحارم، ولباس الحرير للرجال، ومثل الاكتساب المحرم، كالربا، والميسر، وثمن ما لا يحل بيعه، وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة، أو غصب، ونحو ذلك.

وأما المشتبه: فمثل بعض ما اختُلف فِي حله أو تحريمه، إما منْ الأعيان، كالخيل، والبغال، والحمير، والضب، وشرب ما اختُلف فِي تحريمه منْ الأنبذة التي يسكر كثيرها، ولبس ما اختُلف فِي إباحة لبسه منْ جلود السباع ونحوها، وإما منْ المكاسب المختلف فيها، كمسائل العينة، والتورُّق، ونحو ذلك، وبنحو هَذَا المعنى فَسَّر المشتبهات أحمد، وإسحاق، وغيرهما منْ الأئمة.

وحاصل الأمر أن الله تعالى أنزل عَلَى نبيه -صلى الله عليه وسلم- الكتاب، وبين فيه للأمة، ما يحتاج إليه منْ حلال وحرام، كما قَالَ تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} الآية [النحل: ٨٩]، قَالَ مجاهد وغيره: كل شيء أُمروا به، ونهوا عنه، وَقَالَ تعالى فِي آخر سورة النِّساء التي بَيّن فيها كثيرا منْ أحكام الأموال والأبضاع: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النِّساء: ١٧٦]، وَقَالَ تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩]، وَقَالَ تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} الآية [التوبة: ١١٥]، ووكل بيان ما أشكل منْ التنزيل إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما قَالَ تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} الآية [النحل: ٤٤]، وما قُبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أكمل له، ولأمته الدين، ولهذا أنزل عليه بعرفة قبل موته بمدة يسيرة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} الآية [المائدة: ٣]، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "تركتكم عَلَى بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك" (١).

وَقَالَ أبو ذر رضي الله عنه: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما طائر يحرك جناحيه فِي السماء، إلا وَقَدْ ذكر لنا منه علماً (٢).


(١) حديث صحيح، أخرجه ابن ماجة برقم (٤٢).
(٢) أخرجه أحمد ٥/ ١٦٢، والطبرانيّ فِي "الكبير" ٢/ ١٥٥، وزاد: "ما بقي شيء يقرّب إلى الجنة، ويباعد منْ النار إلا وَقَدْ بين لكم". قَالَ الهيثميّ: ورجاله رجال الصحيح.