للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، حدثني بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء السعدي، قَالَ: قلت للحسن بن عليّ: ما تذكر منْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: أذكر أني أخذت تمرة منْ تمر الصدقة، فألقيتها فِي فِيّ، فانتزعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلعابها، فألقاها فِي التمر، فَقَالَ له رجل: ما عليك لو أكل هذه التمرة، قَالَ: "إنا لا نأكل الصدقة". قَالَ: وكان يقول: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة"، قَالَ: وكان يعلمنا هَذَا الدعاء: "اللَّهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنه لا يذل منْ واليت"، وربما قَالَ: "تباركت ربنا وتعاليت".

ومعنى قوله: "فإن الصدق طُمأنينة الخ": أي إن الصدق يطمئنّ إليه القلب، ويسكن، وإن الكدب يضطرب به القلب، ويقلق.

وَقَالَ الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإن الخير طمأنينة، وإن الشر ريبة". يعني أن الخير تطمئن به القلوب، والشر ترتاب به، ولا تطمئن إليه.

وفي هَذَا إشارة إلى الرجوع إلى القلوب عند الاشتباه، وخرّج ابن جرير بإسناده عن قتادة، عن بشر بن كعب أنه قرأ هذه الآية: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: ١٥] ثم قَالَ لجاريته: إن دريت ما مناكبها؟ فأنت حرة لوجه الله، قالت: مناكبها جبالها، فكأنما سُفِع فِي وجهه، ورغب فِي جاريته، فسألهم، فمنهم منْ أمره، ومنهم منْ نهاه، فسأل أبا الدرداء، فَقَالَ: الخير طمأنينة، والشر ريبة، فذر ما يريبك إلى ما لا يريبك.

وقوله فِي الرواية الأخرى: "إن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة" يشير إلى أنه لا ينبغي الاعتماد عَلَى قول كل قائل، كما قَالَ فِي حديث وابصة: "وإن أفتاك النَّاس، وأفتوك"، وإنما يُعتمد عَلَى قول منْ يقول الصدق، وعلامة الصدق أن تطمئن به القلوب، وعلامة الكذب أن تحصل به الريبة، فلا تسكن القلوب إليه، بل تنفر منه، ومن هنا كَانَ العقلاء عَلَى عهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، إذا سمعوا كلامه، وما يدعو إليه عرفوا أنه جاء بالحق، وإذا سمعوا كلام مسيلمة، عرفوا أنه كاذب، وأنه جاء بالباطل. وَقَدْ رُوي أن عمرو بن العاص سمعه قبل إسلامه، يَدّعي أنه أنزل عليه: يا وبر لك أذنان وصدر، وإنك لتعلم يا عمرو، فَقَالَ: والله إني لأعلم أنك تكذب. وَقَالَ بعض المتقدمين: صَوِّر ما شئت فِي قلبك، وتفكر فيه، ثم قسه إلى ضده، فإنك إذا ميزت بينهما عرفت الحق منْ الباطل، والصدق منْ الكذب، قَالَ: كأنك تصور محمدا -صلى الله عليه وسلم-، ثم تتفكر فيما أتى به منْ القرآن، فتقرأ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ …} الآية [البقرة: ١٦٤]، ثم تتصور ضد محمد -صلى الله عليه وسلم-،