وكيف لي بالعلم بذلك؟ قَالَ:"إذا أردت أمرا فضع يدلّ عَلَى صدرك، فإن القلب يضطرب للحرام، ويسكن للحلال، وإن المسلم الورع يدع الصعيرة مخافة الكبيرة"، وَقَدْ رُوي عن عطاء الخراساني مرسلا، وخرج الطبراني نحوه بإسناد ضعيف، عن واثلة ابن الأسقع، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وزاد فيه: فقيل له: فمن الورع؟ قَالَ:"الذي يقف عند الشبهة"، وَقَدْ روي هَذَا الكلام موقوفا عَلَى جماعة منْ الصحابة منهم: عمر، وابن عمر، وأبو الدرداء -رضي الله عنهم- وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ:"ما تريد إلى ما يريبك، وحولك أربعة آلاف لا تريبك" وَقَالَ عمر: "دعوا الرِّبَا والرِّيبة"، يعني ما ارتبتم فيه، وإن لم تتحققوا أنه ربا. انتهى (١). والله تعالى أعلم بالصواب.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو الحثّ عَلَى ترك الشبهات. (ومنها): أن الْحَدِيث فيه إثبات صحبة الحسن -رضي الله عنه-، وأنه سمع منْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ومنها): أن منْ شك فِي شيء منْ الأقوال والأعمال أنه منهيّ عنه أم لا، أو سنة أو بدعة، ترك ذلك، وعدَل إلى ما لا يشك فيه منهما، والمقصود أن يبني المكلّف أمره عَلَى اليقين البحت، والتحقيق الصرف، ويكون عَلَى بصيرة فِي دينه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فيما نُقل عن السلف منْ تركهم ما يريبهم إلى ما لا يريبهم، سلوكًا مسلك الورع:
قَالَ أبو عبد الرحمن العمري الزاهد: إذا كَانَ العبد ورعا، ترك ما يريبه إلى ما لا يريبه. وَقَالَ الفضيل: يزعم النَّاس أن الورع شديد، وما ورد عليّ أمران، إلا أخذت بأشدهما، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك. وَقَالَ حسان بن أبي سنان: ما شيء أهون منْ الورع، إذا رابك شيء فدعه، وهذا إنما يسهل عَلَى مثل حسان رحمه الله. قَالَ ابن المبارك: كتب غلام لحسان بن أبي سنان إليه منْ الأهواز، أن قصب السكر أصابته آفة، فاشتر السكر فيما قبلك، فاشتراه منْ رجل، فلم يأت عليه إلا قليل، فإذا فيما اشتراه ربح ثلاثين ألفا، قَالَ، فأتى صاحب السكر، فَقَالَ: يا هَذَا إن غلامي كَانَ قد كتب إليّ، فلم أُعلمك، فأقلني فيما اشتريت منك، فَقَالَ له الآخر: قد أعلمتني الآن، وَقَدْ طيبته لك، قَالَ: فرجع، فلم يحتمل قلبه فأتاه، فَقَالَ: يا هَذَا إني لم آت هَذَا الأمر منْ قبل وجهه، فأُحب أن تسترد هَذَا البيع، قَالَ: فما زال به حَتَّى رده عليه. وكان يونس بن