للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واحد".

وهذه أسانيد صحيحة، وَقَدْ أفصح بعضها بأن المحذور منه السُّكْر، فمتى أسكر لم يحل، وكأنه أشار بنصيب الشيطان إلى ما أخرجه النسائيّ -٥٧٢٨ - (١) منْ طريق ابن سيرين فِي قصة نوح عليه السلام، قَالَ: "لما ركب السفينة فقد الْحَبْلة (٢) فَقَالَ له الملك: إن الشيطان أخذها، ثم أحضرت له، ومعها الشيطان، فَقَالَ له الملك: إنه شريكك فيها، فأحسن الشركة، قَالَ. له النصف، قَالَ: أحسن، قَالَ: له الثلثان، ولي الثلث، قَالَ: أحسنت وأنت مِحْسَان، أن تأكله عنبا، وتشربه عصيرا، وما طُبخ عَلَى الثلث فهو لك ولذريتك، وما جار عن الثلث، فهو منْ نصيب الشيطان"، وأخرج أيضًا منْ وجه آخر عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك، فذكره، ومثله لا يقال بالرأي، فيكون له حكم المرفوع، وأغرب ابن حزم، فَقَالَ: أنس بن مالك لم يدرك نوحا، فيكون منقطعا.

وأما أثر أبي عبيدة، وهو ابن الجراح، ومعاذ، وهو ابن جبل، فأخرجه أبو مسلم الكجي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، منْ طريق قتادة، عن أنس أن أبا عبيدة، ومعاذ بن جبل، وأبا طلحة، كانوا يشربون منْ الطلاء ما طبخ عَلَى الثلث، وذهب ثلثاه.

وَقَدْ وافق عمر، ومن ذكر معه عَلَى الحكم المذكور أبو موسى، وأبو الدرداء، أخرجه النسائيّ عنهما، وعلي، وأبو أمامة، وخالد بن الوليد، وغيرهم، أخرجها ابن أبي شيبة، وغيره، ومن التابعين ابن المسيب، والحسن، وعكرمة، ومن الفقهاء الثوري، والليث، ومالك، وأحمد، والجمهور، وشرط تناوله عندهم ما لم يُسكر. وكرهه طائفة تورعًا. انتهى "فتح" ١١/ ١٩٠/ ١٩١

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر منْ الأدلّة أن ما ذهب إليه الجمهور منْ جواز شرب الطلاء الذي طُبخ حَتَّى ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه، بشرط أن لا يُسكر، هو الحق؛ لقوّة حجته، لكن سيأتي أن المنصّف ربما لا يسكر، وَقَدْ شربه بعض الصحابة لذلك، فالحق أن مدار الحلِّ والتحريم هو الإسكار، فإذا كَانَ المنصّف لا يسكر فهو حَلالٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٥٧١٩ - (أَخْبَرَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا (٣) عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَمَّا بَعْدُ،


(١) هَذَا السياق ليس فِي رواية المصنّف الآتي، فليتأمل، والله تعالى أعلم.
(٢) "الْحَبْلة" -بفتح الحاء، وسكون الباء: هي الكرمة.
(٣) وفي نسخة: "أخبرنا".