وأمره أن يُطبخ حَتَّى يذهب ثلثاه، ويبقى ثلثه، وهذا الذي قاله سعيد رحمه الله تعالى، هو مذهب طائفة منْ أهل العلم، وذهبت طائفة إلى جواز شرب المنَصَّف، فقد علّق البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه"، فَقَالَ:"وشرب البراء، وأبو جحيفة عَلَى النصف".
قَالَ فِي "الفتح" ١١/ ١٩١: أما أثر البراء، فأخرجه ابن أبي شيبة منْ رواية عديّ بن ثابت عنه، أنه كَانَ يشرب الطلاء عَلَى النصف: أي إذا طبخ فصار عَلَى النصف.
وأما أثر أبي جحيفة، فأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا منْ طريق حصين بن عبد الرحمن، قَالَ: رأيت أبا جحيفة فذكر مثله، ووافق البراء، وأبا جحيفة جرير، وأنس، ومن التابعين ابن الحنفية، وشريح، وأطبق الجميع عَلَى أنه إن كَانَ يُسكر حَرُم. وَقَالَ أبو عبيدة فِي "الأشربة": بلغني أن النصف يُسكر، فإن كَانَ كذلك فهو حرام.
قَالَ الحافظ: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف أعناب البلاد، فقد قَالَ ابن حزم: إنه شاهد منْ العصير ما إذا طبخ إلى الثلث ينعقد، ولا يصير مسكرا أصلا، ومنه ما إذا طبخ إلى النصف كذلك، ومنه ما إذا طبخ إلى الربع كذلك، بل قَالَ: إنه شاهد منه ما يصير رُبّا خاثرا لا يُسكر، ومنه ما لو طُبخ لا يبقى غير ربعه لا يخثر، ولا ينفك السكر عنه، قَالَ: فوجب أن يُحمل ما ورد عن الصحابة منْ أمر الطلاء عَلَى ما لا يسكر بعد الطبخ، وَقَدْ ثبت عن ابن عبّاس بسند صحيح:"أن النار لا تُحل شيئا ولا تحرمه"، أخرجه النسائيّ ٥٤/ ٥٧٣٢ - منْ طريق عطاء عنه، وَقَالَ: إنه يريد بذلك ما نقل عنه فِي الطلاء. وأخرج أيضًا منْ طريق طاوس، قَالَ. هو الذي يصير مثل العسل، ويؤكل، ويصب عليه الماء، فيشرب. انتهى "فتح" ١١/ ١٩١.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: وبهذا يظهر أن الأرجح أنه إذا كَانَ المنصّف يُسْكِرُ يَحْرُمُ، وإلا فلا، كما ذهب إليه هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم-، فمدار الحل والحرمة هو الإسكار. والله تعالى أعلم.
والأثر هَذَا مقطوع صحيح، وهو منْ أفراد المصنّف رحمه الله تعالى، أخرجه هنا -٥٣/ ٥٧٢٤ - وفي "الكبرى" ٥٤/ ٥٢٣٠. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، غير شيخه، "أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ"، أبي جعفر البغداديّ الفقيه، فإنه منْ أفراد المصنّف،