الغسل، وقد أخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها، قالت:"كان يجنب من الليل، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ولا يمس ماء".
وثالثها: أن تركه - صلى الله عليه وسلم - لمس الماء لا يعارض قوله الخاص بنا (١) كما تقرر في الأصول، فيكون الترك على تسليم الشمول لماء الوضوء خاصًا به.
وتمسكوا أيضا بحديث ابن عباس مرفوعًا:"إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة". أخرجه أصحاب السنن, وقد استدل به أيضًا على ذلك ابن خزيمة، وأبو عوانة في صحيحيهما، قال الحافظ: وقد قدح في هذا الاستدلال ابن رشد المالكي، وهو واضح.
قال الشوكاني: فيجب الجمع بين الأدلة يحمل الأمر على الاستحباب، ويؤيد ذلك أنه أخرج ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما من حديث ابن عمر:"أنه سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أينام أحدنا وهو جنحب؟ قال: نعم، ويتوضأ إن شاء".
ثم إن المراد بالوضوء هنا هو الوضوء الشرعي كما صرحت رواية عائشة رضي الله عنها به هنا، حيث قالت:"وضوءه للصلاة"، فيرد به على الطحاوي، حيث جنح إلى أن المراد به التنظيف، واحتج بأن ابن عمر راوي هذا الحديث وهو صاحب القصة:"كان يتوضأ وهو جنب، ولا يغسل رجليه"، كما رواه مالك في الموطأ عن نافع عنه، ويرد أيضًا بأن مخالفة الراوي لما روى لا تقدح في المروي، ولا تصلح لمعارضته، وأيضًا قد ورد تقييد الوضوء بوضوء الصلاة من روايته، ومن رواية عائشة رضي الله عنها فيعتمد ذلك، ويحمل تركه لغسل رجليه على أن ذلك كان لعذر ويكون المراد هنا بالوضوء الوضوءَ الشرعيَّ كما قاله جمهور العلماء.
(١) قلت: هذا غير صحيح، بل الصواب أن فعله غير ما ثبت خصوصيته بدليل مثل قوله فيخص به العام، ويقيد به المطلق. وقد حققت هذا البحث في غير هذا المحل. فتبصر. والله ولي التوفيق.