المسألة الخامسة: اختلف في المراد بالوضوء هنا، فقيل: غسل الفرج فقط مما به من أذى، قال عياض: وهو قول جماعة من الفقهاء، زاد القرطبي: وأكثر أهل العلم، قال: ويستدل على ذلك بأمرين. أحدهما: أنه ورد في رواية: "فليغسل فرجه" مكان "فليتوضأ".
الثاني: أن الوطء ليس من قبيل ما شرع له الوضوء، فإنه بأصل مشروعيته للقُرَب، والعبادات، والوطء ما به الملاذ والشهوات، وهو من جنس المباحات، ولو كان ذلك مشروعًا لأجل الوطء، لشرع في الوطء المبتدء فإنه من نوع المعاد، وإنما ذلك لما يتلطخ به الذكر من ماء الفرج والمني فإنه مما يكره، ويستثقل عادةً وشرعًا. وقيل: المراد به غسل الوجه واليدين، روى ابن أبي شيبة، عن ابن عمر، أنه كان إذا أتى أهله، ثم أراد أن يعود، غسل وجهه وذراعيه. وقيل: المراد الوضوء الشرعي الكامل.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا القول هو الصحيح، لما تقدم في رواية ابن خزيمة:"فليتوضأ وضوءه للصلاة".
وادعى الطحاوي أن هذا منسوخ، وقال: قد يجوز أن يكون أمر بهذا في حال ما كان الجنب لا يستطيع ذكر الله حتى يتوضأ، فأمر بالوضوء ليسمي عند جماعه، ثم رخص لهم أن يتكلموا بذكر الله وهم جنب، فارتفع ذلك، ثم روي من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجامع، ثم يعود، ولا يتوضأ، وينام ولا يغتسل". وقال: فهذا ناسخ لذلك. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: في دعوى النسخ نظر، إذ ليس عليه دليل، والحديث الذي استدل به، لم يُعْرَف تأخره حتى يكون ناسخًا، والله أعلم
المسألة السادسة: اختلف العلماء أيضا في حكم هذا الوضوء: