للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فأجلسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي وضعه، إن قلنا: إنه كان لَمَّا وُلدَ، ويحتمل أن يكون الجلوس حصل منه على العادة إن قلنا كان في سنِّ مَنْ يحبو كما في قصة الحسن. قاله الحافظ (١).

ورد العيني هذا بقوله: ليس المعنى كذلك, لأن الجلوس يكون عن نوم أو اضطجاع، وإذا كان قائما كانت الحال التي يخالفها القعود، والمعنى ها هنا أقامه عن مضطجعه لأن الظاهر أن أم قيس أتت به وهو في قِمَاطة (٢) مضطجع، فأجلسه النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي أقام في حجره وإن كانت أتت به وهو في يدها بأن كان عمره مقدار سنة أو جاوزها قليلا، والحال أنه رضيع، يكون المعنى تناوله منها، وأجلسه في حجره، وهو يمسكه لعدم مسكته, لأن أصل تركيب هذه المادة يدل على ارتفاع الشيء. انتهى كلام العيني (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: قال الفيومي رحمه الله: الجلوس غير القعود، فإن الجلوس هو الانتقال من سُفل إلى علو، والقعود: هو الانتقال من علو إلى سفل، فعلى الأول يقال لمن هو نائم أو ساجد: اجلس، وعلى الثاني يقال لمن هو قائم: اقعد. وقد يكون جلس بمعنى قعد، يقال: جلس متربعا، وقعد متربعا، وقد يفارقه، ومنه "جلس بين شُعَبها" أي حصل وتَمَكَّن، إذ لا يسمى هذا قعودا، فإن الرجل

حينئذ يكون معتمدا على أعضائه الأربع، ويقال: جلس متكئا, ولا يقال: قعد متكئا بمعنى الاعتماد على أحد الجانبين، وقال الفارابي وجماعة: الجلوس نقيض القيام، فهو أعم من القعود، وقد يستعملان

بمعنى الكون والحصول، فيكونان بمعنى واحد، ومنه يقال: جلس


(١) فتح جـ ١ ص ٣٩٠.
(٢) القماط: بالكسر: خرقة عريضة يشد بها الصغير, وجمعه قُمُط, مثل كتاب وكتب اهـ المصباح المنير.
(٣) عمدة جـ ٣ ص ١٣٢.