وصرح -أي البخاري- بذلك في المحاربين عن موسى، عن وهيب بسنده فقال:"إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وله فيه من رواية الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، بسنده:"فأمرهم أن يأتوا إبلَ الصدقة" وكذا في الزكاة من طريق شعبة، عن قتادة، قال الحافظ: والجمع بينها أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بلقاحه إلى المرعى طلبَ هؤلاء النفر الخروجَ إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل، فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه، فخرجوا معه إلى الإبل، ففعلوا ما فعلوا، وظهر بذلك مصْدَاق قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المدينة تنفي خبثها".
وذكر ابن سعد أن عدد لقاحه - صلى الله عليه وسلم - كانت خمس عشرة، وأنهم نَحَرُوا منها واحدة يقال لها الحِنَّاء، وهو في ذلك متابع للواقدي، وقد ذكره الواقدي في المغازي بإسناد ضعيف مرسل (١).
(وأمرهم أن يخرجوا فيها) أي مع تلك الذود (فيشربوا من ألبانها وأبوالها) عطف على يخرجوا، أي أمرهم بالخروج والشرب من ألبانها وأبوالها، وفي رواية للبخاري:"فأخرجوا فاشربوا من ألبانها وأبوالها" بصيغة الأمر، وفي رواية:"فرخص لهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا"
فأما شربهم ألبان الصدقة، فلأنهم من أبناء السبيل، وأما شربهم من لبن لقاح النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلإنه أذنَ لهم، وأما شربهم من أبوالها، فقد احتج به من قال بطهارة بول مأكول اللحم، أما من الإبل فلهذا الحديث، وأما سائر المأكول فبالقياس عليه، وهو الذي ذهب إليه المصنف، وهو مذهب مالك، وأحمد، وطائفة من السلف، وبه يقول ابن خزيمة، وابن النذر، وابن حبان، وسيأتي تحقيق الخلاف في ذلك في المسائل آخر الباب إن شاء الله تعالى.