(والنَّتْن) بنون مفتوحة، فتاء مثناة ساكنة،، وتكسر، أو بفتحتين وهو الشيء الذي له رائحة كريهة، والمراد ها هنا الشيء النجس كالعذرة والجيفة، من قولهم: نَتَنَ يَنتَنُ من باب ضَرَبَ وتَعِبَ، فهو نَتِن، بفتح فكسر، ويقال: أنتن فهو مُنتن، ونَتُنَ نُتُونة ونَتَانَة من باب قَرُب، فهو نَتين كقَريب. والمراد أنهم كانوا يُلقون هذا الأشياء في الصحاري، وخلف بيوتهم، فيجري عليها السيل، ويُلقيها في تلك البئر، لكونها منخفضة.
قال الخطابي رحمه الله: قد يَتَوَهَّم كثير من الناس إذا سمع هذا الحديث أن هذا كان منهم عادة، وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصدا وتعمدا، وهذا مما لا يجوز أن يظن بذمي، بل بوثني فضلا عن مسلم، فلم يزل من عادة الناس قديما وحديثا مسلمهم وكافرهم تنزيهُ المياه وصونها عن النجاسات، فكيف يُظَنُّ بأهل ذلك الزمان وهم أعلى طبقات أهل الدين، وأفضل جماعة المسلمين، والماء ببلادهم أعز، والحاجة إليه أمس أن يكون هذا صنيعَهم بالماء وامتهانَهم له؟ وقد لعَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - منَ تَغَوَّط في موارد الماء ومشارعه، فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رَصَدًا للأنجاس ومُطَّرَحًا للأقذار! هذا مما لا يليق بحالهم، وإنما كان ذلك من أجل أن هذه البئر موضعها في حدور من الأرض،
وأن السيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية، وتحملها وتُلقيها فيها، وكان الماء لكثرته لا تؤثر فيه هذه الأشياء، ولا تُغَيِّره، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شأنها ليعلموا حكمها في الطهارة والنجاسة، فكان من جوابه لهم "أن الماء لا ينجسه شيء" يريد الكثير منه الذي صفته صفة ماء هذه البئر في غزارته وكثرة جمَامه (١) , لأن السؤال إنما وقع عنها
(١) الجمام بالكسر جمع جَمّ. قال المجد: الجَمّ: الكثير من كل شيء، كالجميم، ومن الظهيرة، والماء: معظمه، كجمّته، جمعه جمام، وجُمُوم. اهـ "ق".