للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والأسباب في خوف شديد من بأسه - صلى الله عليه وسلم -، فلا يشكل بأن الناس يخافون من بعض الجبابرة مسيرة شهر، وأكثر، فكانت بلقيس تخاف من سليمان عله الصلاة والسلام مسيرة شهر، وهذا ظاهر، وقد بقي آثار هذه الخاصية في خلفاء أمته ما داموا على حاله، والله أعلم (١).

(مسيرة شهر) منصوب على الظرفية، متعلق بنُصرت، قال في الفتح: ومفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة، ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب: "ونُصرتُ على العدو بالرعب، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر" فالظاهر اختصاصه به مطلقا، وإنما جعل الغاية شهرا, لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلة لأمته من بعده؟ فيه احتمال (٢).

ثم ذكر الثانية بقوله: (وجعلت لي الأرض مسجدا) أي موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويمكن أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه, لأنه لما جازت الصلاة في جميعها، كانت كالمسجد في ذلك، قال ابن التين: قيل: المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وجعلت لغيري مسجدا ولم تجعل له طهورا, لأن عيسى كان يسيح في الأرض، ويصلي حيث أدركته الصلاة، كذا قال. وسبقه إلى ذلك الداودي، وقيل: إنما أبيحت لهم في موضع يتيقنون طهارته، بخلاف هذه الأمة، فأبيح لها في جميع الأرض إلا فيما تيقنوا نجاسته.

قال الحافظ: والأظهر ما قاله الخطابي، وهو أن مَنْ قَبْلَه إنما أُبيحت


(١) شرح السندي جـ ١ ص ٢١٠ - ٢١١.
(٢) فتح جـ ١ ص ٥٢١.