الثاني: أنه كان مُخَيَّرًا بينه وبين الكعبة، فاختار القدس طمعًا في إيمان اليهود واستمالتهم، قاله الطبري، وقال الزجاج: امتحانًا للمشركين، لأنهم ألِفُوا الكعبةَ.
الثالث: ما عليه الجمهور؛ ابن عباس وغيرُهُ، أنه وجب عليه استقباله بأمر الله تعالى ووحيه لا محالة، ثم نسخ الله ذلك، وأمره أن يستقبل الكعبة، واستدلوا بقوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}[البقرة: ١٤٣] الآية (١).
قال الجامع: ما قاله الجمهور هو الصحيح، لظهور دليله. والله أعلم.
المسألة السادسة: أنه اختلف العلماء أيضًا حين فرضت الصلاة أوَّلًا بمكة، هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستقبل بيت المقدس، أم يستقبل الكعبة؟
على قولين:
فذهبت طائفة إلى الأول، قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
وذهبت طائفة إلى الثاني، وأنه لم يزل يصلي إلى الكعبة طول مُقَامِهِ بمكة على ما كانت عليه صلاة إبراهيم، وإسماعيل، فلما قَدمَ المدينةَ صَلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، على