للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: قد حقق هذه المسألة الإمام الجليل، والمجتهد النبيل أبو محمد بن حزم الظاهري رحمه الله تعالى في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام"، ودونك عبارته، قال رحمه الله:

(فصل في نسخ القرآن بالسنة، والسنة بالقرآن)

قال أبو محمد: اختلف الناس في هذا بعد أن اتفقوا على جواز نسخ القرآن بالقرآن، وجواز نسخ السنة بالسنة، فقالت طائفة: لا تنسخ السنة بالقرآن، ولا القرآن بالسنة، وقالت طائفة: جائز كل ذلك، والقرآن ينسخ بالقرآن، وبالسنة، والسنة تنسخ بالقرآن وبالسنة.

قال أبو محمد: وبهذا نقول، وهو الصحيح، وسواء عندنا السنة المنقولة بالتواتر، والسنة المنقولة بأخبار الآحاد، كل ذلك ينسخ بعضه بعضًا، وينسخ الآيات من القرآن، وينسخه الآيات من القرآن، وبرهان ذلك ما بيناه في باب الإخبار من هذا الكتاب، من وجوب الطاعة لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كوجوب الطاعة لما جاء في القرآن، ولا فرق، وأن كل ذلك من عند الله تعالى، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣، ٤]، فإذا كان كلامه وحيًا من عند الله عز وجل، والقرآن وحي، فنسخ الوحي بالوحي جائز، لأن كل ذلك سواء في أنه وحي.

واحتج مَنْ مَنَعَ ذلك بقوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس: ١٥]، قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لأننا لم نقل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَدَّلَه من تلقاء نفسه وقائل هذا كافر،