بأحاديث الأمر بالاحفاء وهي صحيحة، وبحديث ابن عباس:"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحفي شاربه". انتهى.
والإحفاء ليس كما ذكره النووي من أن معناه أحفوا ما طال عن الشفتين، بل الإحفاء الإستئصال كما في الصحاح، والقاموس، والكشاف، وسائر كتب اللغة، ورواية القص لا تنافيه، لأن القص قد يكون على جهة الإحفاء، وقد لا يكون، ورواية الإحفاء معينة للمراد، وكذلك حديث الباب الذي فيه:"من لم يأخذ شاربه فليس منا" لا يعارض رواية الإحفاء لأن فيها زيادة يتعين المصير إليها، ولو فرض التعارض من كل وجه لكانت رواية الإحفاء أرجح لأنها في الصحيحين، وروى الطحاوي:"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ من شارب المغيرة على سواكه" قال: وهذا لا يكون معه إحفاء. ويجاب عنه بأنه محتمل، ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة، وهو وإن صح كما ذكر لا يعارض، تلك أقوال منه - صلى الله عليه وسلم -. أهـ كلام الشوكاني. نيل، ١/ ١٧٧.
قال الجامع عفا الله عنه: ومذهب من خير عندي أرجح لأنه الجامع بين الأحاديث كما يأتي قريبا.
ونقل الحافظ رحمه الله تعالى في الفتح بالتخيير عن الطبري، وأنه قال: دلت السنة على الأمرين، ولا تعارض فإن القص يدل على أخذ البعض، والإحفاء على أخذ الكل وكلاهما ثابت فيتخير فيما شاء، وأن ابن عبد البر قال: الإحفاء محتمل لأخذ الكل. والقص مفسر المراد، والمفسر مقدم على المجمل. (١)
قال الحافظ: ويرجح قول الطبري ثبوت الأمرين معا في الأحاديث
(١) اعترض عليه الصنعاني بأن هذا ترجيح لمذهب مالك، وأن قوله إن الإحفاء محتمل لأخذ الكل عبارة غير جيدة، إذ هو ظاهر في أخذ الكل، انظر العدة جـ ١/ ص ٣٤٦.