الثابت على الشفة العليا، ومحنمل لأن يراد استئصال ما يلاقي حمرة الشفة من أعلاها، ولا يستوعب بقيتها نظرا إلى المعني في مشروعية ذلك، وهو مخالفة المجوس، والأمن من التشويش على الآكل، وبقاء زهومة المأكول فيه، وكل ذلك يحصل بما ذكرنا، وهو الذي يجمع مفترق الأخبار الواردة في ذلك، وبذلك جزم الداودي في شرح أثر ابن عمر المذكور، وهو مُقتضى تصرف البخاري؛ لأنه أورد أثر ابن عمر، وأورد بعده حديثه، وحديث أبي هريرة في قص الشارب فكأنه أشار إلى أن ذلك هو المراد من الحديث، وعن الشعبي أنه كان يقص شاربه حتى يظهر حرف الشفة العليا، وما قاربه من أعلاه، ويأخذ ما يزيد مما فوق ذلك، وينزع ما قارب الشفة من جانبي الفم، ولا يزيد على ذلك، وهذا أعدل ما وقفت عليه من الآثار.
وقد أبدى ابن العربي لتخفيف شعر الشارب معنى لطيفا فقال: إن الماء النازل من الأنف يتلبد به الشعر لما فيه من اللزوجة، ويعسر تنقيته عند غسله، وهو بإزاء حاسة شريفة، وهي الشم فشرع تخفيفه ليتم الجمال والمنفعة. قال الحافظ: وذلك يحصل بتخفيفه ولا يستلزم إحفائه وإن كان أبلغ، وقد رجح الطحاوي الحلق على القص بتفضيله - صلى الله عليه وسلم - الحلق على التقصير في النسك، وَوَهَّى ابن التين الحلق بقوله - صلى الله عليه وسلم- "ليس منا من حلق" وكلاهما احتجاج بالخبر في غير ماورد فيه، ولا سيما الثاني، ويؤخذ مما أشار إليه ابن العربي مشروعية تنظيف داخل الأنف وأخذ شعره إذا طال. اهـ فتح جـ ٢٢/ ص ١١٦.
قال الجامع عفا الله عنه: فتحصل من مجموع ما تقدم أن العلماء اختلفوا في حلق الشارب منهم من كرهه، ومنهم من رجحه على القص، ومنهم من رجح القص عليه، ومنهم من خَيَّرَ. وسبب ذلك
اختلاف الأحاديث: فإنها وردت بلفظ: "أحفوا الشوارب" وبلفظ: