"جزوا الشوارب" بلفظ: "أنهكوا الشوارب" وكلها في مسلم، وبلفظ الحلق، وهي رواية المصنف في الكبري في ٩/ ٩ عن محمَّد بن عبد الله ابن يزيد، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الفطرة خمس: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبط وتقليم الأظفار، وحلق الشارب".
قال الحافظ: ورواه جمهور أصحاب ابن عيينة بلفط القص. وكذا سائر الرواة عن شيخه الزهري، ووقع عند النسائي من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ:"تقصير الشارب" نعم وقع الأمر بما يشعر بأن رواية الحلق محفوظة: كحديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة عند مسلم بلفظ:"جزوا الشوارب"، وحديث ابن عمر المذكور في الباب الذي يليه بلفظ:"أحفوا الشوارب" وفي الباب الذي يليه بلفظ: "أنهكوا الشوارب" فكل هذه الألفاظ تدل على أن المطلوب المبالغة في الإزالة لأن الجز، وهو بالجيم والزاى الثقيلة، قص الشعر والصوف إلى أن يبلغ الجلد، والإحفاء بالمهملة والفاء الاستئصال، ومنه حتى "أحفوه بالمسألة" قال أبو عبيد الهروي: معناه ألزقُوا الجَزَّ بالبشرة، وقال الخطابي: هو بمعنى الاستقصاء. والنهك بالنون والكاف: المبالغة في الإزالة، ومنه ما تقدم في الكلام على الختان قوله - صلى الله عليه وسلم - للخافضة:"أشمي ولا تُنْهكي". أي لا تبالغي في ختان المرأة، وجرى على ذلك أهل اللغة. اهـ كلام الحافظ، فتح جـ ٢٢/ ص ١١٤.
وقد تقدم ما نقله الشوكاني عن الصحاح، والقاموس، وغيرهما من كتب اللغة في معنى الإحفاء أنه الإستئصال، وردّ ما قاله النووي من أن معناه أحفوا ما طال عن الشفتين، والحاصل أن هذه الأحاديث الصحاح تدل على الخلق.