ويفرع عليه أن تخبر بأنهن لا يعرفن، وإن أريد أنها أرادت لا يعرفن في المسجد من الغلس الذي توهمته لبقائها تحت سقف بيتها، فيبعده قولها:"ثم ينقلبن إلى بيوتهن، لا يعرفهن أحد"، فإنه ظاهر في استمرار عدم معرفة إحداهن حتى يدخلن بيوتهن.
وأما قوله: لَمَّا وَجَبَ من ترجيح رواية الرجال، وذكر أثر ابن مسعود، فيقال عليه: قد ثبتت رواية الغلس من رواية الرجال، فقد أخرجها الشيخان من رواية جابر بن عبد الله، قال:"والصبحُ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليها بغلس"، وقد تقدم من حديث أبي مسعود عند أبي داود، وفيه أن صلاته - صلى الله عليه وسلم - كانت بالغلس، حتى مات، بعد وقوع الإسفار منه في بعض الأحيان، فالواجب صرف قوله في حديث ابن مسعود:"قبل ميقاتها" إلى أن المراد أنه بالغ في صلاة الفجر في جمع في التغليس الذي كان يعتاد الصلاة فيه، ليوافق حديثه حديث أبي داود، فيجتمع الحديثان، فقد كان يتراخى - صلى الله عليه وسلم - قليلًا بعد الأذان رَيْثَمَا يَقضِي الرجلُ حاجته، ويتوضأ، أخرجه أبو الشيخ في الأذان عن سلمان وأبي هريرة، وابنُ أحمد بن حنبل في زوائده عن أبي ذر، ويدل له ما في رواية البخاري حيث قال:"والفجرَ حين بَزَغَ الفجرُ".
على أن رواية "أسفروا بالفجر" لا أكْشَفِيَّةَ فيها في أن صلواتهم كانت بالإسفار، إذ هو حكاية قول الإخبار عن إيقاعها في الإسفار، وحديث عائشة خبر عن إيقاعها، فلا معارضة بينهما، ولو حملناه على ما قاله