وفي المسألة لأصحابنا -يعني الشافعية- وجه ثالث، وهو أنه إن قام بحقوق الإمامة كانت أفضل من الأذان، وإلا فهو أفضل، قال به أصحابنا، أبو علي الطبري، والقاضيان، ابن كج، والحسين، والمسعودي، ويوافقه قول الشافعي -رحمه الله-: أحب الأذان، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اغفر للمؤذنين"، وأكره الإمامة للضمان، وما على الإمام فيها، وإذا أم انبغى أن يتقي، ويؤدي ما عليه في الإمامة، فإن فعل رجوت أن يكون أحسن حالًا من غيره. انتهى.
وحكى النووي أول هذا النص مستدلًا به على ترجيح الأذان مطلقًا، وأغفل بقيته، وقد عرفت أنه دال على هذا التفصيل الذي ذكرته. والله أعلم. انتهى. "طرح" جـ ٢ ص ٢٠٣. والله تعالي أعلم.
المسألة التاسعة: نقل ابن بطال عن المهلب رحمهما الله تعالى: أن فيه من الفقه أن من نسي شيئًا، وأراد أن يتذكره، فليصل، ويجهد نفسه فيها من تخليص الوسوسة وأمور الدنيا، فإن الشيطان لابد أن يحاول تَسْهِيَتَهُ، وإذكاره أمور الدنيا، ليصده عن إخلاص نيته في الصلاة.
وقد روي عن أبي حنيفة -رحمه الله- أن رجلًا دفن مالًا، ثم غاب عنه سنين كثيرة، ثم قدم، فطلبه، فلم يهتد لمكانه، فقصد أبا حنيفة، فأعلمه بما دار له، فقال له: صل في جوف الليل، وأخلص نيتك لله تعالى، ولا تجر على قلبك شيئًا من أمور الدنيا، ثم عرفني بأمرك، ففعل ذلك، فذكر في الصلاة مكان المال، فلما أصبح أتى أبا حنيفة، فأعلمه بذلك، فقال بعض جلسائه من أين دللته على هذا يرحمك الله،