أنه قد صار نجسا، يجب عليه تسبيع يده وفمه، كما لو ولغ فيها كلب، ثم إنه بلغ من استيلاء إبليس عليهم أنهم أجابوه إلى ما يشبه الجنون، ويقارب مذهب السوفسطائية الذين ينكرون حقائق الموجودات والأمور المحسوسات، وعلم الإنسان بحال نفسه من الأمور الضروريات اليقينيات، وهؤلاء يغسل أحدهم عضوه غسلا يشاهده ببصره، ويكبر ويقرأ بلسانه بحيث تسمعه أذناه، ويعلمه قلبه، بل يعلمه غيره منه، ويتقنه، ثم يشك هل فعل ذلك، وكذلك يشككه الشيطان في نيته التي يعلمها من نفسه يقينا، بل يعلمها غيره منه بقرائن أحواله، ومع هذا يقبل قول إبليس له أنه ما نوى الصلاة ولا أرادها مكابرة منه لعيانه، وجحدا ليقين نفسه حتى تراه مترددا متحيرا كأنه يعالج شيئا يجتذبه، أو يجد شيئا في باطنه يستخرجه، كل ذلك مبالغة في طاعة إبليس وقبول وسوسته، ومن انتهت طاعته لإبليس إلى هذا الحد، فقد بلغ النهاية في طاعته، ثم إنه يقبل قوله في تعذيب نفسه، ويطيعه في الإضرار بجسده تارة، بالغوص في الماء البارد، وتارة بكثرة استعماله، وإطالة العرك، وربما فتح عينيه في الماء البارد وغسل داخلهما حتى يضر ببصره، وربما أفضى إلى كشف عورته للناس، ووبما صار إلى حال يسخر منه الشيطان، ويستهزىء به من يراه.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي عن أبي الوفاء بن عقيل: أن رجلا قال له: أنغمس في الماء مرارا كثيرة، وأشك هل صح لي الغسل، فما ترى في ذلك؟ فقال له الشيخ: اذهب فقد سقطت عنك الصلاة، قال: وكيف؟ قال: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، والنائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ" رواه أحمد، وأبو داود، عن علي، وعمر رضي الله عنهما، ومن ينغمس في الماء مرارا وشك هل أصابه الماء فهو مجنون، قال: وربما