لحديث عمرو بن سلمة رضي الله عنه المذكور، وخير ما فسر به الحديث ما جاء في حديث آخر. والله تعالى أعلم.
وقال الإمام الخطابي رحمه الله:
وهذا هو الصحيح المستقيم في الترتيب، وذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- جعل مِلاك الإمامة القراءة، وجعلها مقدمة على سائر الخصال المذكورة معها، والمعنى في ذلك أنهم كانوا قوماً أميين، لا يقرؤون، فمن تعلم منهم شيئاً من القرآن كان أحق بالإمامة ممن لم يتعلم؛ لأنه لا صلاة إلا بقراءة، وإذا كانت القراءة من ضرورة الصلاة، وكانت ركناً من أركانها صارت مقدمة في الترتيب على الأشياء الخارجة عنها.
ثم تلا القراءة بالسنة، وهي الفقه، ومعرفة أحكام الصلاة، وما سَنَّه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فيها، وبيّنه من أمرها، فإن الإمام إذا كان جاهلاً بأحكام الصلاة، وبما يعرض فيها من سهو، ويقع من زيادة ونقصان أفسدها، وأخدجها، فكان العالم بها، والفقيه فيها مقدماً على من لم يجمع علمها، ولم يعرف أحكامها.
ومعرفةُ السنة، وإن كانت مؤخرة في الذكر، وكانت القراءة مبدوءاً بذكرها، فإن الفقيه العالم بالسنة إذا كان يقرأ من القرآن ما تجوز به الصلاة أحق بالإمامة من الماهر بالقراءة إذا كان متخلفاً عن درجته في علم الفقه، ومعرفة السنة. وإنما قُدم القارىء في الذكر؛ لأن عامة الصحابة إذا اعتبرت أحوالهم وجدت أقرأهم أفقههم.