بالقعود؛ أبو هريرة، وجابر، ثم استعملوا ذلك بعد وفاته، وجب كذلك على هذا القائل أن يقول: أبو هريرة، وجابر أعلم بتأويل حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبناسخه ومنسوخه ممن بعده.
ولو لم تختلف الأخبار في أمر أبي بكر في موضوع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يجز الانتقال عما سنه النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم وأمرهم بالقعود إذا صلى إمامهم قاعدًا؛ لأن الذي افتتح بهم الصلاة أبو بكر فوجب عليهم القيام لقيام أبي بكر بهم، مما لم يحدث بإمامهم الذي عقد بهم الصلاة بأنها علة، فوجب الجلوس، فعليهم أن يفعلوا كفعل إمامهم، وإن تقدم إمام غير الإِمام الذي عقدوا الصلاة معه، فصلى جالسًا، فليس عليهم الجلوس ما دام الإِمام الذي عقدوا معه الصلاة قائمًا، فإذا كانت الحال هكذا في حدوث إمام بعد إمام استعمل ما جاءت به الأخبار في مرض النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي مات فيه، وإذا كان مثل الحال الذي صلى بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في منزله، وافتتح بهم الصلاة قاعدًا، فعليهم القعود بقعوده.
فيكون كلُّ سنة من هاتين السنتين مستقلة في موضعها، ولا يبطل كل واحدة للأخرى، أن معنى كل سنة غير معنى الأخرى، وقد تأول هذا المعنى بعينه أحمد بن حنبل، وكان أولى الناس بأن يقول هذا القول مَن مذهبه استعمال الأخبار كلها إذا وجد إلى استعمالها سبيلاً، كاختلاف صفة صلاة الخوف على اختلاف الأحوال فيها، هذا لو كانت الأحوال لا تختلف في صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه.