وقال الحافظ رحمه الله تعالى: واستدل به -يعني حديث عائشة المذكور في الباب- على صحة إمامة القاعد المعذور بمثله، وبالقائم أيضًا، وخالف في ذلك مالك في المشهور عنه، ومحمد بن الحسن فيما حكاه الطحاوي، ونقل عنه أن ذلك خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، واحتج بحديث جابر، عن الشعبي مرفوعًا:"لا يؤمن أحد بعدي جالسًا". واعترضه الشافعي، فقال: قد علم من احتج لهذا أن لا حجة فيه؛ لأنه مرسل، ومن رواية رجل يَرغب أهل العلم عن الرواية عنه -يعني جابرًا الجعفي- وقال ابن بزيزة: لو صح لم يكن فمه حجة؛ لأنه يحتمل أن يكون المراد منع الصلاة بالجالس، أي يعرب قوله:"جالسًا" مفعولاً، لا حالاً.
وحكى عياض عن بعض مشايخهم أن الحديث المذكور يدل على نسخ أمره المتقدم لهم بالجلوس لَمَّا صلوا حْلفه قيامًا. وتعقب بأن ذلك يحتاج لو صح إلى تاريخ، وهو لا يصح، لكنه زعم أنه تقوى لأن الخلفاء الراشدين لم يفعله أحد منهم، قال: والنسخ لا يثبت بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن مواظبتهم على ترك ذلك تشهد لصحة الحديث المذكور.
وتعقب بأن عدم النقل لا يدل على عدم الوقوع، ثم لو سلم لا يلزم منه عدم الجواز، لاحتمال أن يكونوا اكتفوا باستخلاف القادر على القيام، للاتفاق على أن صلاة القاعدة بالقائم مرجوحة بالنسبة إلى صلاة القائم بمثله، وهذا كاف في بيان سبب تركهم الإمامة من قعود.