أرشده الله تعالى إلى ذلك، فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصره، وازدياده منها، واستمراره عليها.
فإن العبد لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق، فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله، فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه، ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل، وأطراف النهار، وقد قال الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ}[النساء: ١٣٦] الآية.
فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان، وليس ذلك من باب تحصيل الحاصل؛ لأن المراد الثبات، والاستمرار، والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك. والله أعلم. وقال تعالى آمرًا لعباده المؤمنين أن يقولوا: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)} [آل عمران: ٨].
فمعنى قوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} استمرَّ بنا عليه، ولا تعدل بنا إلى غيره. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى (١).
({صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}) مفسر للصراط المستقيم، وهو بدل منه بدل الشيء من الشيء، ويجوز أن يكون عطف بيان. ومعناه: أدمْ هدايتنا، فإن الإنسان قد يُهدَى إلى الطريق، ثم يقطع به. والله أعلم.