واختلف في المراد بهم، فقال الجمهور من المفسرين: أنه أراد صراط النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين. وانتزعوا ذلك من قوله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}[النساء: ٦٩]. فالآية تقتضي أن هؤلاء على صراط مستقيم، وهو المطلوب في آية الحمد، وجميع ما قيل فيه يرجع إلى هذا، فلا معنى لتعديد الأقوال.
وفي هذه الآية ردّ على القدرية، والمعتزلة، والإمامية؛ لأنهم يعتقدون أن إرادة الإنسان كافية في صدور أفعاله منه، طاعة كانت، أو معصية؛ لأن الإنسان عندهم خالق لأفعاله، فهو غير محتاج في صدورها عنه إلى ربه، وقد أكذبهم الله تعالى في هذه الآية، إذ سألوه الهداية إلى الصراط المستقيم.
فلو كان الأمر إليهم، والاختيار بيدهم دون ربهم لا سألوه الهداية، ولا كرر السؤال في كل صلاة، وكذلك تضرعهم إليه في دفع المكروه، وهو ما يناقض الهداية، حيث قالوا: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)}.
فكما سألوه أن يهديهم سألوه ألا يضلهم، وكذلك يدعون، فيقولون: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)} [آل عمران: ٨]. قاله القرطبي رحمه الله تعالى (١).