وقد جمع القرطبي بما حاصله: أن المشركين كانوا يحضرون المسجد، فإذا قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: إنه يذكر رحمن اليمامة -يعنون مسيلمة- فأمر أن يخافت ببسم الله الرحمن الرحيم، ونزلت:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}[الإسراء: ١١٠] قال الحكيم الترمذي: فبقي ذلك إلى يومنا هذا على ذ كر الرسم، وإن زالت العلة، وقد روى هذا الحديثَ الطبرانيُّ في "الكبير"، و"الأوسط".
وعن سعيد بن جبير قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وكان المشركون يهزءون بمكاء وتصدية، ويقولون: محمد يذكر إله اليمامة، وكان مسيلمة الكذاب يسمى رَحْمَانًا، فأنزل الله:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فتسمع المشركين، فيهزءوا بك، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك، فلا تسمعهم. رواه ابن جبير، عن ابن عباس، ذكره النيسابوري في "التيسير".
وهذا جمع حسن إن صح أن هذا كان سببًا في ترك الجهر، وقد قال في "مجمع الزوائد": إن رجاله موثقون.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" وكان -أي النبي - صلى الله عليه وسلم -- يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم تارة، ويخفيها أكثر مما جهر بها، ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائمًا في كل يوم وليلة خمس مرات أبدًا حضرًا وسفرًا، ويخفى ذلك على خلفائه الراشدين، وعلى جمهور أصحابه، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا من أمحل المحال حتى