والقضاء، وقد فسدا جميعا، القضاة يَرشُون حتى يُوَلَّوْا، والمحدثون يأخذون على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدراهم.
قال الخطيب: إنما منعوا من ذلك تنزيها للراوي عن سوء الظن به، فإن بعض من كان يأخذ الأجرة على الرواية عثر على تزيده، وادعائه ما لم يسمع لأجل ما كان يعطى، ومن هذا بالغ شعبة فيما حكي عنه، وقال: لا تكتبوا عن الفقراء شيئا، فإنهم يكذبون، ولذا امتنع من الأخذ مَن امتنع، بل تورع الكثير منهم عن قبول الهدية والهبة.
فقال سعيد بن عامر: لما جلس الحسن البصري للحديث أهدي له فرده، وقال: إن مَن جلس هذا المجلس، فليس له عند الله خلاق، يعني إن أخذ.
وكذا لم يكن النووي يقبل ممن له به علقة من إقراء، أو انتفاع ما.
قال ابن العطار: للخروج من حديث إهداء القوس، يعني الوارد في الزجر عن أخذه ممن علمه القرآن، قال: وربما أنه كان يرى نشر العلم متعينا عليه مع قناعة نفسه وصبرها، قال: والأمور المتعينة لا يجوز أخذ الجزاء عليها كالقرض الجارّ إلى منفعة، فإنه حرام باتفاق العلماء. انتهى.
وقال جعفر بن يحيى البرمكي: ما رأينا في القراء مثل عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عرضت عليه مائة ألف، فقال: لا والله، لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنة ثمنا ألا كان هذا قبل أن ترسلوا إلى، فأما على الحديث فلا، ولا شَرْبَة ماء ولا إهْليلَجَة (١).
وهذا بمعناه، وأزيد عند أبي الفرج النهرواني في "الجليس الصالح" قال: دخل الرشيد الكوفة، ومعه ابناه الأمين والمأمون، فسمعا من عبد الله بن إدريس وعيسى بن يونس، فأمر لهما بمال جزيل، فلم يقبلا، وقال له عيسى: لا، ولا إهليلجة، ولا شربة ماء على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو ملأت لي هذا المسجد إلى السقف ذهبًا.
(١) الإهْليلَجَة - بكسر، فسكون فكسر اللام الأولى وفتح الثانية، وقد تكسر ثمر معروف، أفاده في "ق".