وقال جرير بن عبد الحميد: مر بنا حمزة الزيات فاستسقى، فدخلت البيت فجئته بالماء، فلما أردت أن أناوله نظر إلى فقال: أنت هو؟ قلت نعم، فقال: أليس تحضرنا في وقت القراءة؟ قلت: نعم، فرده، وأبى أن يشرب ومضى.
وأهدى أصحاب الحديث للأوزاعى شيئا، فلما اجتمعوا، قال لهم: أنتم بالخيار إن شئتم قبلته، ولم أحدثكم، أورددته وحدثتكم، فاختاروا الرد وحدثهم، ونحوه عن حماد بن سلمة كما قال الخطيب في الكفاية.
وقال هبة الله بن المبارك السقطي: كان أبو الغنائم محمد بن علي بن الحسن بن الدجاجي البغدادي ذا وجاهة وتقدم وحال واسعة وعهدي بي، وقد أخذني عليه الزمان بصروفه، وقد قصدته في جماعة مثرين لنسمع منه، وهو مريض، فدخلنا عليه، وهو على بادية، وعليه جبة قد أكلت النار أكثرها، وليس عنده ما يساوي درهما، فحمل على نفسه حتى قرأنا عليه بحسب شرهنا، ثم قمنا، وقد تحمل المشقة في إكرامنا، فلما خرجنا قلت: هل مع سادتنا ما نصرفه إلى الشيخ؟ فمالوا إلى ذلك، فاجتمع له نحو خمسة مثاقيل، فدعوت ابنته وأعطيتها، ووقفت لأرى تسليمها إليه، فلما دخلت وأعطته لَطَمَ حُرَّ وجهه، ونادى وافضيحتاه! آخذ على حديث رسول - صلى الله عليه وسلم - عوضا؟ لا والله، ونهض حافيا، فنادى بحرمة ما بيننا إلا رجعت، فعدت إليه، فبكى، وقال: تفضحني مع أصحاب الحديث؟ الموت أهون من ذلك، فأعدت الذهب إلى الجماعة، فلم يقبلوه، وتصدقوا به.
ومرض أبو الفتح الكروخي راوي الترمذي، فأرسل إليه بعض من كان يحضر مجلسه شيئا من الذهب، فما قبله، وقال: بعد السبعين، واقتراب الأجل آخذ على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا، ورده مع الاحتياج إليه.