ونحوه أن أبا نصر محمد بن موهوب البغدادي الضرير الفرضي كان يأخذ الأجرة ممن يعلمه الجبر والمقابلة دون الفرائض والحساب، ويقول: الفرائض مهمة، وهذا من الفضل حكاهما ابن النجار.
ومنهم: من كان لا يأخذ شيئا، ولكن يقول: إن لنا جيرانا محتاجين، فتصدقوا عليهم، وإلا لم أحدثكم، قال زيد بن الحباب عن شيخه: إنه كان يفعله.
المذهب الثالث: الجواز لمن كان مشغولا عن الكسب لعياله، وهذا هو المختار كما يأتي للسيوطي في ألفيته.
وممن أفتى بذلك: الشيخ أبو إسحاق الشيرازي من الشافعية، حين سأله مُسْند العراق في وقته أبو الحسين بن النَّقُّور، لكون أصحاب الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب لعياله فكان يأخذ كفايته، وعلى نسخة طالوت ابن عباد أبي عثمان الصيرفي بخصوصها دينارا، واتفق أنه جاء غريب فأراد أن يسمعها منه، فاحتال بأن اقتصر على كنية طالوت لكونه لم يكن يعرفه بها، وذلك أنه قال له: أخبرك أبو القاسم بن حبابة، قال: حدثنا البغوي، حدثنا أبو عثمان الصيرفي، وساق النسخة إلى آخرها،
فبلغ مقصوده بدون دينار، لكون ابن النقور لم يعلم أن أبا عثمان الصيرفي هو طالوت.
وممن أفتى بالجواز قبل أبي إسحاق: ابنُ عبد الحكم المالكي رحمه الله، فقال خالد بن سعد الأندلسي: سمعت محمد بن فطيس وغيره يقولون: جمعنا لابن أخي ابن وهب، يعني أحمد بن عبد الرحمن دنانير أعطيناها إياه، وقرأنا عليه موطأ ابن عمه وجامعه، قال محمد: فصار في نفسي من ذلك، فأردت أن أسأل ابن الحكم، فقلت: أصلحك الله، العالم يأخذ على قراءة العلم؟ فاستشعر فيما ظهر لي، أني إنما أسأله عن أحمد، فقال لي: جائز، عافاك الله حلال، ألا أقرأ لك ورقة إلا بدرهم، ومن أخذني أن أقعد معك طول النهار، وأدع ما يلزمني