للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"المعرفة" عن مجاهد، قال: صليت خلف ابن عمر، فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة.

قلت: أثر ابن عمر هذا ضعيف من وجوه:

(الأول): أن في سنده أبا بكر بن عياش، وكان تغير حفظه بآخره. (والثاني): أنه شاذ، فإن مجاهدا خالف أصحاب ابن عمر، وهم ثقات، حفاظ. (والثالث): أن إمام هذا الشأن يحيي بن معين قال: حديث أبي بكر، عن حصين، إنما هو توهم منه، لا أصل له. قال الإمام البخاري في "جزء رفع اليدين": ويروى عن أبي بكر بن عياش، عن حصين، عن مجاهد أنه لم ير ابن عمر رفع يديه إلا في أول التكبير، وروى عنه أهل العلم أنه لم يحفظ عن ابن عمر، إلا أن يكون سها، ألا ترى أن ابن عمر كان يرمي من لا يرفع يديه بالحصى، فكيف يترك ابن عمر شيئًا يأمر به غيره، وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله. قال البخاري: قال يحيى بن معين: حديث أبي بكر، عن حصين إنما هو توهم منه، لا أصل له. انتهى مختصرا.

وقال البيهقي في "كتاب المعرفة": حديث أبي بكر بن عياش هذا أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، فذكره بسنده، ثم أسند عن البخاري أنه قال: أبو بكر بن عياش اخلتط بآخره، وقد رواه الربيع، والليث، وطاوس، وسالم، ونافع، وأبو الزبير، ومحارب بن دثار، وغيرهم، قالوا: رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر، وإذا رفع، وكان يرويه أبو بكر قديما عن حصين، عن إبراهيم، عن ابن مسعود مرسلا موقوفا: أن ابن مسعود كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يرفعها بعدُ. وهذا هو المحفوظ عن أبي بكر بن عياش، والأول خطأ فاحش، لمخالفته الثقات من أصحاب ابن عمر. قال الحاكم: كان أبو بكر بن عياش من الحفاظ المتقنين، ثم اختلط حين (١) ساء حفظه، فروى ما خولف فيه، فكيف يجوز دعوى نسخ حديث ابن عمر بمثل هذا الحديث الضعيف، أو نقول: إنه ترك مرة للجواز، إذ لا يقول بوجوبه. ففعله يدلّ على أنه سنة مؤكدة، وتركه يدلّ على أنه أمر غير واجب. انتهى. كذا في "نصب الراية" (٢).

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": وأما الحنفية، فعولوا على رواية مجاهد أنه صلى خلف ابن عمر، فلم يره يفعل ذلك، وأجيبوا بالطعن في إسناده؛ لأن أبا بكر بن عياش راويه ساء حفظه بآخره، وعلى تقدير صحته، فقد أثبت ذلك سالم، ونافع،


(١) هكذا نسخة "تحفة الأحوذي"، وفي "نصب الراية": ثم اختلط حين نسي حفظه. اهـ قلت: لعل الصواب: حتى ساء حفظه. والله أعلم.
(٢) جـ ١ ص ٤٠٩.