للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تركه لبيان الجواز، أو لعدم رؤية الرفع سنة لا زمة، فلا يقدح ذلك في ثبوت الرفع عنه، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

(والخامس): أن ترك الراوي مرويه إنما يكون مسقطا للاحتجاج عند الحنفية إذا كان خلافه بيقين، كما هو مصرح في كتبهم، وها هنا ليس كذلك، لجواز أن يكون الرفع الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمله ابن عمر على العزيمة، وترك أحيانا بيانا للرخصة، فليس تركه خلافا لروايته بيقين. انتهى ما في "التعليق الممجد" (١).

واستدلوا أيضًا بحديث جابر بن سمرة - رضي الله عنها -، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ما لي أراكم رافعي أيديكم، كأنها أذناب خيل شُمْس، اسكنوا في الصلاة". رواه مسلم.

والجواب أنه لا دليل فيه على منع الرفع على الهيئة المخصوصة في المواضع المخصوصة، وهو الركوع، والرفع منه؛ لأنه مختصر من حديث طويل، وبيان ذلك أن مسلما رواه أيضا من حديث جابر بن سمرة، قال: كنا إذا صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيديه إلى الجانبين، فقال لنا النبي - صلى الله عليه وسلم -: "على مَ تُومِئُون بأيديكم، كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما كان يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من عن يمينه، ومن عن شماله". وفي رواية: "إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه، ولا يومي بيديه". وقال ابن حبان: "ذكر الخبر المتقصي للقصة المختصرة المتقدمة بأن القوم إنما أمروا بالسكون في الصلاة عند الإشارة بالتسليم دون الرفع الثابت عند الركوع"، ثم رواه كنحو رواية مسلم. قال البخاري من احتج بحديث جابر بن سمرة على منع الرفع عند الركوع، فليس له حظ من العلم، هذا مشهور، لا خلاف فيه أنه إنما كان في حال التشهد. كذا في "التلخيص الحبير" (٢).

وقال الزيلعي في "نصب الراية" بعد ذكر حديث جابر بن سمرة المختصر المذكور: ما ملخصه: واعترضه البخاري في كتابه الذي وضعه في رفع اليدين، فقال: وأما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث تميم بن طَرَفَة، عن جابر بن سمرة، فذكر حديثه المختصر، وقال: وهذا إنما كان في التشهد، لا في القيام، ففسره رواية عبد الله بن القبطية، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: كنا إذا صلينا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر حديثه الطويل المذكور، ثم قال البخاري، ولو كان كما ذهبوا إليه لكان الرفع في تكبيرات العيد أيضا منهيا عنه؛ لأنه لم يستثن رفعا دون رفع، بل أطلق. انتهى.


(١) راجع "التعليق الممجد على موطأ محمَّد" جـ ١ ص ٣٨٢ - ٣٩٩.
(٢) جـ ١ ص ٢٢١.