للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لما سماه صلاة، كما لو ترك الركوع والسجود.

ورده العيني في "البناية" بأن للخصم أن يقول: إنما سماه صلاة بحسب زعم المصلي، كما تدل عليه الإضافة، على أنه ورد في بعض الروايات: "وما نقصت شيئًا من هذا"، أي مما ذكر سابقا، ومنه الركوع والسجود أيضا، فيلزم أن تسمى ما لا ركوع ولا سجود فيها صلاة أيضا بعين التقرير المذكور، وإذ ليس، فليس. انتهى.

(ومنها): ما قالوا: إن هذا الحديث لا يدلّ على فرضية التعديل، بل على عدم فرضيته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الأعرابي حين فرغ من صلاته، ولو كان ما تركه ركنا لفسدت صلاته، فكان المضي بعد ذلك من الأعرابي عبثا، ولا يحل له - صلى الله عليه وسلم - أن يتركه، فكان تركه دلالة منه أن صلاته جائزة، إلا أنه ترك الإكمال، فأمره بالإعادة، زجرا له عن هذه العادة.

ورده العيني في "البناية" أيضا بأن للخصم أن يقول: كانت صلاته فاسدة، ولذا أمره بالإعادة، وقال: "لم تصل"، وإنما تركه عليه؛ لأنه ربما يهتدي إلى الصلاة الصحيحة، ولم ينكر عليه، لأنه كان من أهل البادية، كما تدل عليه رواية الترمذي: "إذ جاءه رجل كالبدوي"، من المعلوم أن أهل البادية لهم جفاء وغلظة، فلو أمره ابتداء لكان يقع في خاطره شيء، وكان المقام مقام تعليم، وبالجملة لا دلالة لعدم إنكاره - صلى الله عليه وسلم - صلاته ابتداء، وأمره بالإعادة على ما ادعوه. انتهى.

(ومنها): ما قالوا: إن الله تعالى أمرنا بالركوع والسجود بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧]، والركوع والسجود لفظ خاص، معناه معلوم، فالركوع هو الانحناء، والسجود هو الانخفاض، فمطلق الميلان عن الاستواء، ووضع الجبهة على الأرض فرض بالآية المذكورة، وفرضية التعديل الثابتة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنك لم تصل"، وكذا فرضية القومة، والجلسة بحديث: "لا تجزئ صلاة، لا يقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود"، وأمثاله إن ألحقت بالقرآن على سبيل البيان فهو ليس بصحيح؛ لأن البيان إنما يكون للمجمل، ولا إجمال في الركوع والسجود، وإن ألحقت على سبيل التغيير لإطلاق القرآن، فهو ليس بجائز أيضًا؛ لأن نسخ إطلاق القرآن بأخبار الآحاد لا يجوز، كما حققه الأصوليون، ولما لم يجز إلحاق ما ثبت بهذه الأخبار بالثابت بالقرآن، ولم يمكن ترك أخبار الآحاد بالكلية أيضًا، فقلنا ما ثبت بالقطعي، وهو مطلق الركوع والسجود فرض، وما ثبت بهذه الأخبار الظنية الثبوت واجب.

والجواب أن المراد بالركوع والسجود في الآية المذكورة معناهما الشرعي، وهو غير معلوم، فهو محتاج إلى البيان، فهذه الأخبار أُلحقت بالقرآن على سبيل البيان، ولا