للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إشكال. وقد صرح العلماء الحنفية أن معناهما الشرعي هو المراد عند أبي يوسف -رحمه الله-، وأن هذه الأخبار قد ألحقت بالقرآن على سبيل البيان عنده.

(واعلم): أن أبا يوسف -رحمه الله- شريك لأبي حنيفة ومحمد في القاعدة الأصولية المذكورة، ويجريها في مواضع كثيرة، ومع هذا فهو قائل بفرضية التعديل، فيرد عليه إشكال عسير، وهو أنه كيف ينسخ إطلاق الكتاب ها هنا بخبر الآحاد، ويجعل التعديل فرضا، وقد ذكر العلماء الحنفية في دفع هذا الإشكال ما نقله ابن عابدين في حواشي "البحر" عن بعض المحققين من أن المراد بالركوع والسجود في الآية عندهما معناه اللغوي، وهو معلوم لا يحتاج إلى البيان، فلو قلنا بافتراض التعديل تلزم الزيادة على النص بخبر الآحاد، وعند أبي يوسف معناهما الشرعي، وهو غير معلوم، فيحتاج إلى البيان. انتهى.

(ثم اعلم): أن حمل لفظ الركوع، ولفظ السجود في الآية المذكورة على معناهما الشرعي هو المتعين؛ لأنه قد تقرر أن أمثال هذه الألفاظ في النصوص يجب حملها على معانيها الشرعية إلا أن يمنع مانع، ولا مانع ها هنا.

وحاصل الكلام أن القول بأن تعديل الأركان فرض هو الراجح المعول عليه. والله تعالى أعلم. انتهى كلام المباركفوري رحمه الله تعالى (١). وهو تقرير حسن جدًّا. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): أنه قد تبيّن مما ذكر في المسألة السابقة أن شبهة عدم إيجاب الحنفية غير أبي يوسف تعديلَ الأركان هو زعمهم أن إيجابه يكون زيادة على الكتاب بخبر الواحد، وهو لا يجوز، وهذه قاعدة تسبب عنها رفضهم كثيرا من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي لا اختلاف في صحتها، كالأحاديث المخرجة في "الصحيحين" وغيرهما، وبسبب هذا دخل ضرر عظيم في الدين حيث دخل في قلوب المقلدة توهين قدر السنن الصحاح التي أوجب الله - صلى الله عليه وسلم - اتباعها، والردَّ إليها عند التنازع، ومن الغريب أنهم لا يَثْبُتُون على هذه القاعدة، بل تراهم ينقضونها في عدة قضايا، ويتعللون لذلك بعلل واهية، لا تروج عند النقد والتنقير، ولا يسلمها من هو بالأمور بصير.

ولقد تصدى لتفنيد هذه الشبهة الداحضة، وهدم أساسها الواهية الإمام المحقق، والجِهْبِذ المدقق العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه القيم النافع "إعلام الموقعين عن رب العالمين"، فأسهب وأعاد، وأجاد وأفاد، أحببت إيراد محل الحاجة منه هنا


(١) "تحفة الأحوذي بشرح الترمذي" جـ ٢ ص ١٢٦ - ١٢٨.