للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يوضحه (الوجه الثالث عشر): أن تخصيص القرآن بالسنة جائز، كما أجمعت الأمة على تخصيص قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها" (١)، وعموم قوله: تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: ١١] بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرث المسلم الكافر" (٢)، وعموم قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا قطع في ثَمَر، ولا كَثَر" (٣) ونظائر ذلك كثير، فإذا جاز التخصيص، وهو رفع بعض ما تناوله اللفظ، وهو نقصان من معناه، فلأن تجوز الزيادة التي لا تتضمن رفع شيء من مدلوله، ولا نقصانه بطريق الأولى والأحرى.

(الوجه الرابع عشر): أن الزيادة لا توجب رفع المزيد لغة، ولا شرعا، ولا عرفا، ولا عقل، ولا تقول العقلاء لمن ازداد خيره، أو ماله، أو جاهه، أو علمه، أو ولده: إنه قد ارتفع شيء مما في الكيس.

(الوجه الخامس عشر) أن الزيادة قررت حكم المزيد، وزادته بيانا وتأكيدا، فهي كزيادة العلم والهدى والإيمان، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤]، وقال: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٢٢]، وقال: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: ١٣] وقال: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: ٧٦]، فكذلك زيادة الواجب على الواجب إنما يزيد قوة وتأكيدا وثبوتا، فإن كانت متصلة به اتصال الجزاء والشرط كان ذلك أقوى له، وأثبت، وآكد، ولا ريب أن هذا أقرب إلى المعقول والمنقول والفطرة من جعل الزيادة مبطلة للمزيد عليه، ناسخة له.

(الوجه السادس عشر): أن الزيادة لم تتضمن النهي عن المزيد، ولا المنع منه، وذلك حقيقة النسخ، وإذا انتفت حقيقة النسخ استحال ثبوته.

(الوجه السابع عشر): أنه لابد في النسخ من تنافي الناسخ والمنسوخ، وامتناع اجتماعهما، والزيادة غير منافية للمزيد عليه، ولا اجتماعهما ممتنع.

(الوجه الثامن عشر): أن الزيادة لو كانت نسخا لكانت إما نسخا بانفرادها عن المزيد، أو بانضمامها إليه، والقسمان محال، فلا يكون نسخا:

أما الأولى فظاهر، فلأنها لا حكم لها بمفردها البتة، فإنها متابعة للمزيد عليه في حكمه.


(١) أخرجه الجماعة.
(٢) أخرجه الجماعة.
(٣) صحيح، أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان. والكَثَر بفتحتين-: الجُمَّار.