وأما الثاني فكذلك أيضا؛ لأنها إذا كانت ناسخة بانضمامها إلى المزيد، كان الشيء ناسخا لنفسه، ومبطلا لحقيقته، وهذا غير معقول.
وأجاب بعضهم عن هذا بأن النسخ يقع على حكم الفعل دون نفسه وصورته، وهذا الجواب لا يُجدي عليهم شيئًا، والإلزام قائم بعينه، فإنه يوجب أن يكون المزيد عليه قد نسخ حكم نفسه، وجعل نفسه إذا انفرد عن الزيادة غير مجزىء لعد أن كان مجزئا.
(الوجه التاسع عشر): أن النقصان من العبادة لا يكون نسخا لما بقي منها، فكذلك الزيادة عليها لا تكون نسخا لها، بل أولى لما تقدم.
(الوجه العشرون): أن نسخ الزيادة للمزيد عليه، إما أن يكون نسخا لوجوبه، أو لإجزائه، أو لعدم وجوب غيره، أو لأمر رابع، وهذا كزيادة التغريب مثلا على المائة جلدة، لا يجوز أن تكون ناسخة لوجوبها، فإن الوجوب بحاله، ولا لإجزائها؛ لأنها مجزئة عن نفسها، ولا لعدم وجوب الزائد، لأنه رفع لحكم عقلي، وهو البراءة الأصلية، فلو كان رفعها نسخا كان كلما أوجب الله شيئًا بعد الشهادتين، قد نسخ به ما قبله، والأمر الرابع غير متصور، ولا معقول، فلا يحكم عليه.
[فإن قيل]: بل ها هنا أمر رابع معقول، وهو الاقتصار على الأول، فإنه نسخ بالزيادة، وهذا غير الأقسام الثلاثة.
[فالجواب]: أنه لا معنى للاقتصار غيرُ عدم وجوب غيره، وكونه جميع الواجب، وهذا هو القسم الثالث بعينه، غَيَّرْتُم التعبير عنه، وكسوتموه عبارة أخرى.
(الوجه الحادي والعشرون): أن الناسخ والمنسوخ لابد أن يتواردا على محل واحد يقتضي المنسوخ ثبوته، والناسخ رفعه، أو بالعكس، وهذا غير متحقق في الزيادة على النص.
(الوجه الثاني والعشرون): أن كل واحد من الزائد والمزيد عليه دليل قائم بنفسه، مستقل بإفادة حكمه، وقد أمكن العمل بالدليلين، فلا يجوز إلغاء أحدهما، وإبطاله، وإلقاء الحرب بينه وبين شقيقه وصاحبه، فإن كل ما جاء من عند الله فهو حق، يجب اتباعه، والعمل به، ولا يجوز إلغاؤه، وإبطاله إلا حيث أبطله الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بنص آخر ناسخ له، لا يمكن الجمع بينه وبين المنسوخ، وهذا -بحمد الله- منتف في مسألتنا، فإن العمل بالدليلين ممكن، ولا تعارض بينهما، ولا تناقض بوجه، فلا يسوغ لنا إلغاء ما اعتبره الله - صلى الله عليه وسلم - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما لا يسوغ لنا اعتبار ما ألغاه، وبالله تعالى التوفيق.
(الوجه الثالث والعشرون): أنه إن كان القضاء بالشاهد واليمين ناسخا للقرآن، وإثبات التغريب ناسخا للقرآن، فالوضوء بالنبيذ أيضًا ناسخ للقرآن، ولا فرق بينهما