البتة، بل القضاء بالنكول، ومعاقد القُمُط يكون ناسخا للقرآن، وحينئذ فنسخ كتاب الله بالسنة الصحيحة الصريحة التي لا مطعن فيها أولى من نسخه بالرأي والقياس، والحديث الذي لا يثبت. وإن لم يكن ناسخا للقرآن لم يكن هذا ناسخا له، وأما أن يكون هذا نسخا، وذاك ليس بنسخ، فتحكم باطل، وتفريق بين متماثلين.
(الوجه الرابع والعشرون): أن ما خالفتموه من الأحاديث التي زعمتم أنها زيادة على نص القرآن، إن كانت نستلزم نسخه، فقطع رجل السارق في المرة الثانية نسخ، لأنه زيادة على القرآن، وإن لم يكن هذا نسخا، فليس ذلك نسخا.
(الوجه الخامس والعشرون): إنكم قلتم: لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم، وذلك زيادة على ما في القرآن، فإن الله - صلى الله عليه وسلم - أباح استحلال البُضْع بكل ما يسمى مالا، وذلك يتناول القليل والكثير، فزدتم على القرآن بقياس في غاية الضعف، وبخبر في غاية البطلان، فإن جاز نسخ القرآن بذلك، فلم لا يجوز نسخه بالسنة الصحيحة الصريحة، وإن كان هذا ليس بنسخ لم يكن الآخر نسخًا.
(الوجه السادس والعشرون): إنكم أوجبتم الطهارة للطواف بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الطواف بالبيت صلاة"، وذلك زيادة على القرآن، فإن الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر بالطواف، ولم يأمر بالطهارة، فكيف لم تجعلوا ذلك نسخا للقرآن، وجعلتم القضاء بالشاهد واليمين، والتغريب في حد الزنا نسخا للقرآن.
(الوجه السابع والعشرون): إنكم مع الناس أوجبتم الاستبراء في جواز وطء المَسْبيّة بحديث ورد زائد على كتاب الله، ولم تجعلوا ذلك نسخا له، وهو الصواب بلا شك، فهلّا فعلتم ذلك في سائر الأحاديث الزائدة على القرآن.
(الوجه الثامن والعشرون): إنكم وافقتم على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها بخبر الواحد، وهو زائد على ما في كتاب الله تعالى قطعا، ولم يكن ذلك نسخا، فهلا فعلتم ذلك في خبر القضاء بالشاهد واليمين، والتغريب، ولم تعدوه نسخا، وكل ما تقولونه في محل الوفاق يقوله لكم منازعوكم في محل النزاع حرفا بحرف.
(الوجه التاسع والعشرون): أنكم قلتم: لا يفطر المسافر، ولا يقصر في أقل من ثلاثة أيام، والله سبحانه وتعالى قال:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: ١٨٤] وهذا يتناول الثلاثة، وما دونها، فأخذتم بقياس ضعيف، أو أثر لا يثبت في التحديد بالثلاث، وهو زيادة على القرآن، ولم تجعلوا ذلك نسخا، فكذلك الباقي.