للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مصدر، وسبحان واقع موقعه، ولا يستعمل غالبا إلا مضافا، كقولنا: سبحان الله، وهو مضاف إلى المفعول به، أي سبحت الله تعالى؛ لأنه المسبَّحُ المنزَّه.

قال أبو البقاء -رحمه الله- تعالى: ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل، لأن المعنى تنزه الله تعالى، وهذا الذي قاله، وإن كان له وجه، فالمشهور المعروف هو الأول، قالوا: وقد جاء غير مضاف، كقول أمية بن أبي الصلت: [من الطويل]

فَسبْحَانَهُ ثَمَّ سُبْحَانًا يَعُودُ لَهُ … وَقَبْلَنَا سَبَّحَ الجُودِيُّ وَالجْمُدُ (١)

قال أهل اللغة، والمعاني، والتفسير، وغيرهم: ويكون التسبيح بمعنى الصلاة، ومنه قوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: ١٤٣] أي المصلين قبل ذلك، وقيل: إنما ذلك لأنه قال؛ في بطن الحوت: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧]، وهذا أظهر. والسبحة بضم السين: صلاة النافلة، ومنه قوله في الحديث: "سبحة الضحى"، وغيرها، قال الجوهري -رحمه الله-: السبحة التطوع من الذكر والصلاة، تقوله: قضيت سُبْحَتي، قالوا: وإنما قيل: للمصلي مُسَبِّح، لكونه معظما لله تعالى بالصلاة، وعبادته إياه، وخضوعه له، فهو مُنَزَّه بصورة حاله، قالوا: وجاء التسبيح بمعنى الاستثناء، ومنه قوله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} [القلم: ٢٨] أي تستثنون، وتقولون: إن شاء الله تعالى، وهو راجع إلى معنى التعظيم لله تعالى للتبرك باسمه.

قال الإمام الواحدي رحمه الله تعالى: قال سيبويه رحمه الله تعالى: معنى "سبحان الله". براءةَ اللهِ من السوء، وسبحان الله بهذا المعنى معرفة يدلّ على ذلك قول الأعشى:

أَقُولُ لمّا جَاءَنِي فَخرُة … سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ

أي براءةً منه، قال: وهو ذكر تعظيم لله تعالى، لا يصلح لغيره، وإنما ذكره الشاعر نادرا، ورده إلى الأصل، وأجراه كالمثل.

قلت: ومراد سيبويه رحمه الله تعالى أنه اسم معرفة، لا ينصرف، إذا لم يضف للعلمية، وزيادة الألف والنون، ولهذا لم يصرفه الأعشى، وم نهم من يصرفه، ويجعله نكرة، كما تقدم في البيت السابق. والله تعالى أعلم. انتهى المقصود من كلام النووي رحمه الله تعالى ببعض زيادة (٢).


(١) بضم الجيم، والميم، وفتحهما: جبل معروف. اهـ "لسان" ج ١ ص٦٧٤.
(٢) "تهذيب الأسماء واللغات" جـ ٤ ص ١٤٢ - ١٤٣.