للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التنزيه، لاقتضاء الحمد نسبة الأفعال المحمود عليها إلى الله تعالى، فعلى هذا يكفي في امتثال الأمر الاقتصار على الحمد. ويحتمل أن يكون المراد: فسبح ملتبسا بالحمد، فلا يمتثل حتى يجمع بينهما، وهو الظاهر.

قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: يؤخذ من الحديث إباحة الدعاء في الركوع، وإباحة التسبيح في السجود. ولا يعارضه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أما الركوع، فعظموا فيه الرب، وأما السجود، فاجتهدوا فيه في الدعاء". قال: ويمكن أن يحمل حديث الباب على الجواز، وذلك على الأولوية، ويحتمل أن يكون أمر في السجود بتكثير الدعاء لإشارة قوله: "فاجتهدوا"، والذي وقع في الركوع من قوله: "اللَّهم اغفر لي" ليس كثيرا، فلا يعارض ما أمر به في السجود. انتهى.

واعترضه الفاكهاني بأن قول عائشة: "كان يكثر أن يقول" صريح في كون ذلك وقع منه كثيرا، فلا يعارض ما أمر به في السجود. قال الحافظ: هكذا نقله شيخنا ابن الملقن في شرح "العمدة"، وقال: فليتأمل. وهو عجيب، فإن ابن دقيق العيد أراد بنفي الكثرة عدم الزيادة على قوله: "اللَّهم اغفر لي" في الركوع الواحد، فهو قليل بالنسبة السجود المأمور فيه بالاجتهاد في الدعاء المشعر بتكثير الدعاء، ولم يرد أنه كان يقول ذلك في بعض الصلوات دون بعض حتى يعترض عليه بقوله عائشة - رضي الله عنها -: "كان يكثر". انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى (١).

[تنبيه]: ترجم البخاري -رحمه الله- في أبواب الركوع بقوله: [باب الدعاء في الركوع] ثم أورد حديث عائشة - رضي الله عنها - المذكور في الباب. فقيل: الحكمة في تخصيص الركوع بالدعاء دون التسبيح، مع أن الحديث واحد أنه قصد الإشارة إلى الرد على من كره الدعاء في الركوع، كمالك رحمه الله تعالى، وأما التسبيح، فلا خلاف فيه، فاهتم هنا بذكر الدعاء لذلك، وحجة المخالف الحديثُ الذي أخرجه مسلم من رواية ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا، وفيه: "فأما الركوع، فعظموا فيه الرب، وأما السجود، فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم". قال الحافظ رحمه الله تعالى: لكنه لا مفهوم له، فلا يمتنع الدعاء في الركوع، كما لا يمتنع التعظيم في السجود. انتهى (٢) .. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "فتح" جـ ٢ ص ٥٦٠ - ٥٦١.
(٢) "فتح" جـ ٢ ص ٥٣٧ - ٥٣٨.