الجبهة، فإن هذا الحديث يدلّ على إثبات زيادة على المسمى، فلا تترك.
وأضعف من هذا: المعارضة بقياس شبهي، ليس بقوي، مثل أن يقال: أعضاء لا يجب كشفها، فلا يجب وضعها كغيرها من الأعضاء، سوى الجبهة.
وقد رجح المحاملي من أصحاب الشافعي القول بالوجوب، وهو أحسن عندنا من قول من رجح عدم الوجوب.
وذهب أبو حنيفة -رحمه الله-: إلى أنه إن سجد على الأنف وحده كفاه، وهو قول في مذهب مالك وأصحابه.
وذهب بعض العلماء إلى أن الواجب السجود على الجبهة والأنف معا، وهو قول في مذهب مالك أيضًا، ويحتج لهذا المذهب بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - هذا، فإن في بعض طرقه "الجبهة والأنف معا"، وفي هذه الطرق التي ذكرها المصنف -يعني صاحب العمدة- "الجبهة"، وأشار بيده إلى أنفه، فقيل: معنى ذلك أنهما جعلا كالعضو الواحد، ويكون الأنف كالتبع للجبهة، واستدلّ على هذا بوجهين:
(أحدهما): أنه لو كان كعضو منفرد عن الجبهة حكما، لكانت الأعضاء المأمور بالسجود عليها ثمانية، لا سبعة، فلا يطابق العدد المذكور في أول الحديث.
(الثاني): أنه قد اختلفت العبارة مع الإشارة إلى الأنف، فإذا جعلا كعضو واحد أمكن أن تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، فتطابق الإشارة العبارة، وربما استنتج من هذا أنه إذا سجد على الأنف وحده أجزأه، لأنهما إذا جعلا كعضو واحد كان السجود على الأنف كالسجود على بعض الجبهة، فيجزىء.
والحق أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة والأنف. لكونهما داخلين تحت الأمر، وإن أمكن أن يُعتَد أنهما كعضو واحد من حيث العدد المذكور، فذلك في التسمية والعبارة، لا في الحكم الذي دلّ عليه الأمر.
وأيضًا فإن الإشارة قد لا تعين المشار إليه، فإنها إنما تتعلق بالجبهة، فإذا تفاوت ما في الجبهة أمكن أن لا يعين المشار إليه يقينًا، وأما اللفظ فإنه معين لما وضع له، فتقديمه أولى. انتهى كلام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى "إحكام الأحكام" ج ٢ ص ٣٠٦ - ٣١١. بنسخة الحاشية.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: خلاصة ما أشار إليه ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى وجوب العمل بمقتضى منطوق الحديث، وهو تقرير حسن، فلا يجوز الاقتصار على الجبهة دون الأنف، ولا العكس. وسنحقق الخلاف في المسألة التالية، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.