للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بقية الحديث: "ان منهم من غاب في النار إلى نصف ساقيه"، وفي حديث سمرة - رضي الله عنه - عند مسلم "وإلى ركبتيه"، وفي رواية هشام بن سعد في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - "وإلى حقويه".

قال النووي -رحمه الله-: وما أنكره هو المختار، ولا يمنع من ذلك قوله في الحديث الآخر في مسلم: "إن قوما يخرجون من النار، يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم"، فإنه يحمل على أن هؤلاء قوم مخصوصون من جملة الخارجين من النار، فيكون الحديث خاصًّا بهم، وغيره عامًّا، فيحمل على عمومه، إلا ما خُصَّ منه.

قال الحافظ -رحمه الله-: إن أراد أن هؤلاء يخصون بأن النار لا تأكل وجوههم كلها، وأن غيرهم لا تأكل منهم محل السجود خاصة، وهو في الجبهة، سَلِمَ من الاعتراض، وإلا يلزمه تسليم ما قال القاضي في حق الجميع إلا هؤلاء، وإن كانت علامتهم الغرّة كما تقدم النقل عمن قاله، وما تعقبه بأنها خاصة بهذه الأمة، فيضاف إليها التحجيل، وهو في اليدين والقدمين مما يصل إليه الوضوء، فيكون أشمل مما قاله النووي من جهة دخول جميع اليدين والرجلين، لا تخصيص الكفين والقدمين، ولكن ينقص منه الركبتان.

وما استدل به القاضي من بقية الحديث لا يمنع سلامة هذه الأعضاء مع الانغمار، لأن تلك الأحوال الأخروية خارجة عن قياس أحوال أهل الدنيا. ودلّ التنصيص على دارات الوجوه أن الوجه كله لا تؤثر فيه النار، إكراما لمحلّ السجود، ويحمل الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها.

وقد استنبط ابن أبي جمرة من هذا أن من كان مسلما، ولكنه لا يصلي لا يخرج، إذ لا علامة له. لكن يحمل على أنه يخرج في القبضة، لعموم قوله: "لم يعملوا خيرا قطّ" وهو مذكور في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، أخرجه البخاري -رحمه الله- في "كتاب التوحيد".

وهل المراد بمن يسلم من الاحتراق من كان يسجد، أو أعمّ من أن يكون بالفعل، أو القوة؟ الثاني أظهر، ليدخل فيه من أسلم مثلا، وأخلص، فبغته الموت قبل أن يسجد.

قال الحافظ -رحمه الله-: ووجدت بخط أبي رحمه الله تعالى، ولم أسمعه من نظمه ما يوافق مختار النووي، وهو قوله [من الكامل]:

يَا رَبِّ أَعْضَاءُ السُّجُودِ عَتَقْتَها (١) … مِنْ عَبْدِكَ الْجَانِي وَأَنْتَ الْوَاقِي

وَالْعِتْقُ يَسْرِي بِالْغِنَى يا ذا الْغِنَى … فَامْنُنْ عَلَى الْفَانِي بِعِتْقِ الْبَاقِي

انتهى ما في "الفتح" (٢).


(١) قوله: "عتقها" هكذا في البيت عتق ثلاثِيًّا، وهو محل نظر؛ إذ لم يُثْبِتْ أهلُ اللغة عتق ثلاثيًا متعديًا، وإنما هو لازم، يتعدى بالهمزة، فليُتنَبُّه.
(٢) ج ١٣ ص ٢٨٦.