وقد روينا عن النخعي قولا رابعا: وهو أن يردّ في نفسه، وقال النعمان: لا يردّ السلام، ولا أحب أن يشير.
فاستحب خلافَ ما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - سَنَّ للمصلي أن يرد السلام بإشارة، وقد سن النبي - صلى الله عليه وسلم - الإشارة في الصلاة في غير موضع، من ذلك إشارته إلى الذين صلوا خلفه قياما أن اجلسوا، وأومأ إلى أبي بكر يوم خرج إلى بني عمرو بن عوف أن امضهْ. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله تعالى باختصار (١).
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى: والأحاديث المذكورة تدل على أنه لا بأس أن يسلم غير المصلي على المصلي لتقريره - صلى الله عليه وسلم - مَن سلم عليه على ذلك، وجواز تكليم المصلي بالغرض الذي يعرض لذلك، وجواز الردّ بالإشارة.
وقد استدل القائلون بالاستحباب بالأحاديث المذكورة في هذا الباب، واستدل المانعون بحديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: "كنا نسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو في الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة، فترد علينا؟ فقال: "إن في الصلاة لشغلا"، متفق عليه.
ولكنه ينبغي أن يحمل الردّ المنفي ها هنا على الردّ بالكلام، لا الرد بالإشارة؛ لأن ابن مسعود نفسه قد رَوَى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ردّ عليه بالإشارة، ولو لم تَرِدْ عنه هذه الرواية لكان الواجب هو ذلك، جمعا بين الأحاديث.
واستدلوا أيضا بما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا غِرَار في صلاةٍ، ولا تسليمٍ". والغرار -بكسر الغين المعجمة، وتخفيف الراء-: هو في الأصل النقص. قال أحمد بن حنبل -رحمه الله-: يعني -فيما أُرَى- أن لا تسلم، ولا يسلم عليك، ويُغَرِّرُ الرجلُ بصلاته، فينصرف، وهو فيها شاكّ.
واستدلوا أيضا بما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء، من أشار في صلاته إشارة تُفْهَم عنه، فليُعدْ لها". يعني الصلاة. ورواه البزار، والدارقطني.
ويجاب عن الحديث الأول بأنه لا يدل على المطلوب من عدم جواز ردّ السلام بالإشارة؛ لأنه ظاهر في التسليم على المصلي، لا في الردّ منه، ولو سلم شموله للإشارة لكان غايته المنع من التسليم على المصلي باللفظ والإشارة، وليس فيه تعرّض للرّدّ، ولو سلم شموله للردّ لكان الواجب حمل ذلك على الردّ باللفظ، جمعا بين الأحاديث.