والمعنى أنهم نظروا إليه نظرة منكرة حيث شَمَّتَ العاطسَ في الصلاة، وهو لا يجوز.
(فقلت: واثكل أمياه) "وا" نُدْبة ونداء، والنُّدْبَةُ: نداء المتفَجَّع عليه، نحو وازيداهْ، أو المتوجع منه، نحو وا ظهراهْ.
و"الثكل" بضم المثلّثة، وسكون الكاف، وبفتحهما، لغتان، كالبُخْل، والبَخَل، حكاهما الجوهري، وغيره، وهو فقدان المرأة ولدها، يقال: ثكلته أمه -بكسر الكاف- من باب تعب: فقدته، وأثكله الله -تَعَالَى- أمَّهُ، وامرأة ثَكْلَى، وثاكل.
و"ثكل" مناد مضاف منصوب بالفتحة الظاهرة.
و"أمياه" -بضم الهمزة، وتشديد الميم- أصله أُمِّي، وهو مضاف إليه "ثُكْل"، ومضاف إلى ياء المتكلم المفتوحة، وزيدت الألف لمد الصوت، وأُردفَ بهاء السكت الساكنة، الثابتة في الوقف، المحذوفة في الوصل.
فكأنه قال: وافُقْدان أمي وَلَدَهَا -يعني نفسه-، وذلك لعلمه أنه فعل في الصلاة فعلا منافيًا لها.
(ما لكم تنظرون إليّ) "ما" استفهامية، أي أيُّ شيء ثبت لكم في نظركم إلي. وفي رواية مسلم، وأبي داود "ما شأنكم تنظورن إلي؟ ".
(قال: فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم) وفي رواية مسلم، وأبي داود: "فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم". وإنما فعلوا ذلك زيادة في الإنكار حتى يسكتَ.
قال القرطبي رحمه الله: يحتمل أن يكون هذا الفعل منهم قبل نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التصفيق، والأمر بالتسبيح. ويحتمل أن يقال: إنهم فهموا أن التصفيق المنهيّ عنه إنما هو ضرب الكفّ على الكفّ، أو الأصابع على الكفّ، ويبعد أن يسمى مَنْ ضَرَب على فخذه، وعليها ثوبه مصفِّقًا، ولهذا قال: "فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم"، ولو كان يسمَّى تصفيقًا لكان الأقرب في اللفظ أن يقول. يصفقون، لا غير. انتهى (١).
وقال النووي رحمه الله -تَعَالَى-. وفيه دليل على جواز الفعل القليل في الصلاة، وأنه لا يبطل الصلاةَ، وأنه لا كراهة فيه إذا كان لحاجة. (فلمّا رأيتهم يسكّتوني) من التسكيت، أو الإسكات.
وفي رواية مسلم: "فلمّا رأيتهم يُصمّتونني" (لكني سكت) استدراك على محذوف جواب "لمّا" أي لمّا رأيتهم يسكتوني أردت أن أخاصمهم، لكني سكت عن ذلك.
وقال الشوكاني رحمه الله في "النيل" ج-٢ ص ٣٧١ - : قال المنذري رحمه الله:
(١) "المفهم" ج-٢ ص ١٣٨.